آيتان من آيات الله

المشاهدات : 424

الكاتبة: نسرين بنت علي الجطيلي

في الحديث المتواتر عن النبي صلى الله عليه وسلم، أن الشمس انكسفت يوم مات إبراهيم، فقال الناس: انكسفت لموت إبراهيم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «إن الشمس والقمر آيتان من آيات الله، لا ينكسفان لموت أحد ولا لحياته، فإذا رأيتموهما، فادعوا الله وصلوا حتى ينجلي» [البخاري: ۱۰٦۰]. 

وفي رواية: «فإذا رأيتم ذلك فاذكروا الله» [البخاري: ۱۰٥۲] وَ [مسلم:۹۰۷].

وفي رواية: «فإذا رأيتموها فافزعوا للصلاة» [البخاري: ۱۰٤۷] وَ [مسلم: ۹۰۱].

نجد منهجًا ربانيًا وبيانًا نبويًا يوضح ما يتعلق بهذه الآيات والعلامات الكونية، ويوجه المؤمن إلى ما عليه فعله إذا وقعت. فمن الهدايات الربانية الواردة التي لا يضل من اتبعها:

أولاً: أن الشمس والقمر آيتان من آيات الله تعالى كما نص عليه الحديث، ويشهد له من كتاب الله عز وجل آيات عديدة كقول الله تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ اللَّيْلُ وَالنَّهَارُ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ لَا تَسْجُدُوا لِلشَّمْسِ وَلَا لِلْقَمَرِ وَاسْجُدُوا لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَهُنَّ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ) [فصلت: ۳۷].

وهاتان الآيتان مسخرتان لمنافع الناس، مسيرتان بأمر الله، تجريان في الفلك بإجراء الله لهما؛ فلا يقدران بنفسيهما على سير أو جري، ولا تملكان نفعاً ولا ضراً، فلو شاء سبحانه طمس ضوءهما فظل الناس حيارى تائهين في ظلمة، لا يبصرون شيئاً ولا يهتدون سبيلاً.

ثانياً: أن الشمس والقمر من آيات الله العظيمة التي يستدل بها على عبادته وحده دون سواه، ويبطلان عبادة جميع المخلوقات مهما بلغت عظمتها، قال تعالى: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوُابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ) [الحج: ۱۸].

فجميع المخلوقات التي يحويها هذا الكون من شمس وقمر ونجوم وجبال وشجر ودواب خاضعة لله مطيعة له، مفتقرة إليه دالة على عظمته، موجبة لتوحيده، فلا يجوز عبادة شيء منها.

ثالثاً: أن الله عز وجل هو وحده المدبر والمتصرف في هذا الكون؛ فلا يقع في ملكه إلا ما يشاء، ولا يحدث إلا ما يريد، فما في الكون من أفلاك ونجوم وكواكب، وما يصدر عنها من حركات، وما يتبعها من ظواهر، إنما هي بتقدير الله سبحانه، ولا شأن لها بمجريات الحوادث الأرضية، إلا ما جعل الله منها سبباً للآخر.

رابعاً: أن النبي صلى الله عليه وسلم قد رد ما قد يتوهمه بعض الناس من أن كسوف الشمس يحصل بسبب موت أحد من أهل الأرض، وبين أنه من آيات الله التي يخوف بها عباده. ودلّ عليه الصلاة والسلام على الطريق الواجب اتباعه عند حدوث هذه الظواهر الفلكية؛ من الانصراف إلى الصلاة والذكر والدعاء والاستغفار والصدقة، مع استصحاب الفزع والخوف، حتى تنجلي هذه الظواهر، فقد نص الحديث على أن الله سبحانه إنما يُحدث هذه الأحداث لتخويف العباد فيجب عليهم فعل ما يدفع هذا الخوف من العبادات المشروعة. 

لكن الحاصل وما شهدته البشرية وتشهده على مر الأيام والأزمان؛ هو أن شياطين الإنس والجن قد حرفوا الفطر السوية عن المنهج الرباني والهدي النبوي، فأوقعوا الناس في الشرك والابتداع. ومن ذلك ما حصل من عبادة هذه الأجرام السماوية والآيات الكونية، كالشمس والقمر والكواكب والنجوم وغيرها، وادعاء بعض خصائص الربوبية لتلك المخلوقات المسيرة بأمر الله سبحانه؛ فزعموا أنها فاعلةٌ مؤثرةٌ، متصرفةٌ في الموجودات السفلية تستحق العبادة والسجود والتعظيم.

وما حصل قديماً ما زال يحصل حديثاً ويُعاد بصورة تناسب الوقت الحاضر، وتتماشى مع متطلبات الحياة المعاصرة؛ فأتباع الباطنية الحديثة ورواد الفلسفة الروحانية المعاصرة قد أحيوا تراث الصابئة القدماء فغلوا في هذه المخلوقات، ورفعوها إلى مقام الربوبية بالتقاسم مع الإنسان الضعيف؛ فتعاملوا مع هذه الآيات والمخلوقات بصورة تخالف الهدي الرباني والنهج النبوي، ومن ذلك أنهم:

أولاً: أحيوا علم النجوم المحرم وربطوا هذه الظواهر والأفلاك بفلسفة الطاقة الشرقية بصورة مبالغ فيها؛ فزعموا أن للأفلاك طاقة، وللنجوم طاقة وللخسوف طاقة، وللحروف طاقة، وللأرقام طاقة، وربطوا ذلك بحياة الإنسان ومولده وقدره، وجميع تحركاته، وأرشدوه للاستعانة بالأحجار والألوان والأطعمة والأشربة لأجل تسيير حياته وتغيير قدره وفعل ما يشاء.

ثانياً: تجاوزوا شرك الصابئة والمجوسية فزعموا أن الإنسان يستطيع أن يتحكم بهذا الكون ويسيره كيفما يشاء، من خلال رفع نطاق (الوعي) وفتح أبواب (التنوير)، ودعاوى تأثير أفكار الإنسان في تشكيل الواقع واختيار المصير.

ثالثاً: جعلوا لهذه الآيات المخلوقة طقوساً وممارسات تعبدية مستقاة من الديانات الشرقية كاليوغا والصمت والتأمل وترديد المانترات، وإطلاق النوايا لأجل التحكم بالأقدار والحياة.

ولا شك أن إسناد التأثير للمخلوقات من أعظم الكفر والضلال، وقد أبطله الله تعالى في كثير من الأدلة الشرعية، كما أكد سبحانه وحدانيته وتفرده بالربوبية والألوهية، وأنه لا شريك له في عبادته، وأنه هو الخالق لكل شيء، قال تعالى: (وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ) [النحل: ۲۰]، وقال تعالى: (وَاتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ آلِهَةً لَا يَخْلُقُونَ شَيْئًا وَهُمْ يُخْلَقُونَ وَلَا يَمْلِكُونَ لِأَنْفُسِهِمْ ضَرًّا وَلَا نَفْعًا وَلَا يَمْلِكُونَ مَوْتًا وَلَا حَيَاةً وَلَا نُشُورًا) [الفرقان: ۳]، فلا يقع شيء إلا بمشيئته وإرادته، فليس لشيء من مخلوقاته تأثير إلا بأمره وتدبيره. فله سبحانه المشيئة المطلقة؛ فما شاء كان، ومالم يشأ لم يكن. فمن أسند شيئا من أمور الخلق إلى غير الله فقد افترى على الله الكذب، وأتى بغاية الكفر والضلال؛ لأنه جل وعلا هو المتفرد بالخلق والأمر، والمستحق للعبادة وحده سبحانه دون سواه.

كما أن الإسلام قد كشف عن عقول البشرية غمام الوهم فيما قد يعرض لها عند وقوع بعض حوادث الكون؛ فقرر أن آيات الله الكبرى إنما تجري بأمرها على السنن الإلهية، ووفق الأقدار التي قدرها جل وعلا بعلمه الأزلي، لا يغيرها شيء من الطوارئ الجزئية. والإنسان حين يسعى في تعطيل عقله عما خلق له فإنه يوقع نفسه في السخافات وأنواع من الهوان والتذلل للمخلوقات الضعيفة مثله، وبذلك يفقد تكريمه الذي خصه الله به، ويخسر تفضيله على كثير من المخلوقات، فيتخبط حتى يضل عن سواء السبيل، فهذه المخلوقات العجيبة المبثوثة في أرجاء الكون علويه وسفليه لم تخلق لتعبد وتُعظم من دون الله سبحانه، وإنما جعلها الله دلائل واضحات وآيات بينات على وحدانيته وتفرده بالعبادة، وجميع المخلوقات التي تبهر الإنسان عظمتها، والتي لا يمكن رؤيتها كلها خاضعة لله طوعاً وكرهاً.

فسبحان الله وحده، تعالى في عظمته، وتقدس في قدرته وأسمائه وصفاته.

رابط المقال pdf : اضغط هنا

الأرشيف

لا يغركم مستوى الخوف، واحذروا حسابات فينوس
قانون قارون
القائمة