الهوى والعلم – بقلم: د.شيرين خورشيد

المشاهدات : 1,050

قال ابن تيمية رحمه الله: (ومن أعظم أسباب الغلط في فهم كلام الله ورسوله، أن ينشأ الرجل على اصطلاح حادث، فيريد أن يفسر كلام الله بذلك الاصطلاح، ويحمله على تلك اللغة التي اعتادها). مجموع الفتاوى (12/106-107).

ولن يكون علي الكيالي الشخصية الأولى أو الوحيدة التي تطعن في ثوابت الأمة الإسلامية وتشكك المسلمين في أصولهم العقدية وتخوض في الغيبيات والمسلّمات بجهل وهوى ولن يكون الأخير، فقد سبقته فرق وأشخاص افترقت أدواتهم واتفقت تصرفاتهم.

ويقول الأستاذ محمد محمد حسين -رحمه الله- في كتابه “الروحية الحديثة:

“لابد أن ننتبه أن يد الهوى قد لبست في عصرنا قفاز العلم واستطاعت من وراء هذا القفاز أن تصافح كثيرا من العقول وأن تتسلل إلى كثير من البيئات والأوساط ، دون أن يداخل الناس شك في أمرها، وأصبح بين العلماء في شتى المعارف الإنسانية من يوجه العلم لخدمة هواه أو فلسفته، بل حتى الدراسات الموضوعية الخالصة التي كان يظن أنها أبعد شيء عن عبث العابثين لم تسلم من اتخاذها آلة في يد المغرضين، فبعدوا بها عن النزاهة التي هي سمتها وجعلوها آلة لتدعيم رأي لهم أو فلسفة اعتنقوها”.

من هو علي الكيالي؟

هو عالم فيزيائي ومهندس معماري، مفكر وباحث إسلامي كما يحب أن يصف نفسه! من مواليد 31 مارس 1953م في مدينة حلب، أتم دراسته الثانوية في مدينة حلب عام 1970 ثم انتقل للدراسة في جامعة حلب في كلية العلوم، تخصص الفيزياء والرياضيات، بين عامي 1971 و1975، وبعدها درس الهندسة المعمارية حتى عام 1979 في نفس الجامعة.

وفي عام 2012 حاز على شهادة الدكتوراه في البحوث الإسلامية من الجامعة اللبنانية، ومما يذكره ضمن ترجمته لنفسه أنه عمل على دراسة القرآن الكريم دراسة علمية فيزيائية وتاريخية ولغوية منذ عام 1981.

وكان من جملة أعماله المهنية: مدرساً لمادتي الفيزياء والرياضيات (1975-1985)، رئيس قسم الأشغال الهندسية في قيادة شرطة حلب (1980-2007)، وعمل بدائرة أملاك اليهود في حلب (1983-2003) كمهندس استشاري!! وواضح أنها مجالات لا علاقة لها بالعلوم الشرعية!

المنهجية الفكرية لعلي الكيالي:

يزعم الكيالي أنه يحاول خلال أطروحاته توظيف علم الفيزياء والعلوم الحيوية بشكل عام في تفسير النصوص القرآنية للوصول إلى خطاب جذاب! والمشكلة أنه يستخدم تلك الأدوات مع عدم تمكنه منها، بل ومع خلطه فيها خلطاً شديداً، بالإضافة لجهله باللغة والشريعة مما أدى به إلى الخوض بالباطل فيما نهى الله عنه من الغيب المقرون به سبحانه وتعالى، فأنكر أشياء مسلّمة عند المسلمين وأثبت أشياء لم يذكرها أحد من علماء الأمة ولا الصحابة ولا التابعين!!

من الجرأة الغريبة والعجيبة أنه يدعي أن علمه ومعرفته لم يبلغها أحد من الأمة منذ ألف وأربعمائة سنة، حيث رد الكيالي على من ادّعى أنه ليس مؤهلاً للفتوى في هذه الأمور في إحدى حلقاته، بقوله: (الفتوى في اللغة معناها رأي فتي، والله عز وجل يطالب في هذه الآية لكن هذه الآية ممنوع على الأمة الإسلامية أن تطبقها من ألف وأربعمائة عام لحد الآن، الفتوى رأي فتىي يجب أن يجيب عنها صاحب الاختصاص، هنا قال الله تعالى: فاسألوا أهل الذكر، أهل الذكر هم أصحاب الاختصاص).

لن أعلق على خطئه في معنى الفتوى في اللغة فهذه يستطيع كل باحث أن يراجع معاجم اللغة ليرى الفرق بين كلام الكيالي وبين كلام علماء اللغة، لكن المهم زعم الكيالي أن الأمة عبر تاريخها الطويل لم تشتغل في تطبيق معنى هذه الآية حتى أتى علي الكيالي فطبقها!!

نماذج من أخطائه في قراءة القرآن الكريم:

يدّعي علي الكيالي بأنه مفسر للقرآن لا مثيل له، لكن في الحقيقة -ومع الأسف- هو أصلاً لا يحسن قراءة القرآن الكريم، فكيف يحسن تفسيره؟؟!! فضلاً عن أنه جاهل في اللغة العربية وجاهل حتى بالفيزياء التي يزعم أنه تفرد بتفسير القرآن بواسطتها!!

المتابع للكيالي يلحظ عليه أنه يقرأ القران بلغة عامية ولا يعطي حروف القرآن حقها من النطق بل ولا يرعى جانب القراءة اللغوية الصحيحة فتكثر عنده الأخطاء اللغوية بأنواعها الجلية والخفية، وهذا يتناقض مع أبسط أسس تكوين المفسر!

فمرة يقرأ (فدمدم) أقرب ما تكون من فضمضم، ومرة يقرأ (إن الله لا يظلم مثقال ذرة) أقرب ما تكون من (إن الله لا يزلم) بتفخيم الزاي (مسقال) بدلاً من مثقال، (زرة) بدلاً من ذرة! وهذه الأخطاء ناجمة عن قراءة القرآن باللهجة العامية التي يتجنبها طلبة مراكز تحفيظ القرآن في شهرهم الأول، بينما الكيالي هذه قراءته في كل محاضراته!!

أما أخطاؤه الجليّة في قراءة القرآن فهي كثيرة، منها قوله:

(فإنما هي زجرة واحدة، فإذا هم بالساهرة) بنصب زجرة لا برفعها.

ومرة يخالف فضيلةُ المفسر العبقري إجماعاً منعقداً منذ ألف وأربعمائة سنة على علامات الوقف القرآني فيقول: “يجب أن نقرأ هذه الآية (يسألونك عن الساعة أيان مرساها * فيم أنت من ذكراها)
فوقف على (فِيمَ) لماذا هذا السؤال؟؟ أنت مِن ذكراها أنت علامتها الكبرى فلماذا يسألون؟”، فجعل الوقف على (فيم)، رغم أن نهاية الآية الكريمة كانت عند كلمة (مرساها)!!!

وهذا اتهام لمجموع الأمة أنها لم تستطع ضبط كتاب ربها حتى أتى فضيلة الدكتور الكيالي!!! ولولا أن المقام لا يتسع لذكر جميع أخطائه في قراءة القرآن الكريم لزدت من الأمثلة، ومالا يدرك جله لا يترك كله.

أخطاء لغوية غريبة في تفسيره:

يتحدث الكيالي واصفاً نفسه بأنه خبير في لغات القبائل، وفي المقابل ترى الضعف المريب في اللغة العربية وقواعدها بحيث يصبح المرء يشك في سلامة قصده أو براءة نفسه.

ومن غرائبه في الجهل اللغوي ما جاء في سياق حديثه عن يأجوج ومأجوج وإنكاره لوجودهم الآن، حيث أخذ يستدل بقوله تعالى: “فإذا جاء وعد ربي جعله دكاء وكان وعد ربي حقا” (الكهف: 98) على أن الوعد الذي أخبر الله عنه قد جاء وحصل ولم يعد لهم وجود، لماذا؟!! لأن (جاء) فعل ماضٍ!!! ونسي أن (إذا) تعمل عمل المستقبل لأنها ظرف زمان متعلق بالمستقبل.

والناظر والمتأمل في القرآن الكريم سيجد كثيرا من هذه الأمثلة التي لا تتسق مع فكرة الدكتور العبقري! فالمعاجم اللغوية والكتب الخاصة في لغات القبائل متوفرة بين أيدي الباحثين، والعاقل لا يسلّم عقله لكل من هب ودب.

نماذج من أخطائه الفيزيائية رغم التخصص المزعوم:

يحاول الكيالي إيهام الناس بأنه عالم لا يشق له غبار في الفيزياء، وأنه وصل لتفسير الكثير من الآيات القرآنية من خلال علمه الواسع بالفيزياء، لكن الحقيقة أنه جاهل بالفيزياء ويروّج الكثير من الأخطاء والمغالطات العلمية، وقد صرح بجهله عدد من المتخصصين بالفيزياء.

مثلاً يزعم الدكتور علي الكيالي أنه وبعد عام 2000 في اليابان، ثبت أن كل فوتون ضوئي هو عبارة عن كرة فارغة وبداخلها جسم أصغر منها بمائة مرة يسمى الكوارك، وهذه مصيبة علمية فزيائية، فالفوتون جسيم أولي لا يتكون من جسيمات أصغر منه! أما الكوارك فهو ما يكوّن النيوترون والبروتون، وكل نيوترون وبروتون يتكون من ثلاثة كواركات.

ويدعي الفيزيائي العبقري أن الضوء يدور حول الأرض سبع دورات ونصف في الثانية، رغم أن أي خريج ثانوية عامة علمي يعلم أن الفوتون (جسيم ضوئي) لا ينحني في مساره إلا تحت مجال جاذبية قوي جدا كمجال النجوم مثلا، لذلك لا توجد إمكانية أن يقوم الضوء بالدوران حول الأرض، وحتى يدور الفوتون حول جسيم ما يجب أن تكون قوة جاذبية ذلك الجسم قريبة من جاذبية الثقب الأسود، فكيف يتصور الكيالي أن الضوء من الممكن أن يدور حول الأرض؟!

وفي محاضرة أخرى يقول الكيالي: (إن الزمن في القمر يسير أبطأ من الأرض بسبب أن دوران القمر حول نفسه أبطأ من الأرض، ولو كان هناك مولودان أحدهما على الأرض والآخر ولد على القمر فإن الذي على القمر سيمرّ عليه يوم، بينما الذي على الأرض سيمر عليه شهر في نفس المدة، وأن الانسان خلال ستين سنة على الأرض سيمرّ عليه سنتان فقط على القمر)!

وهذا كلام فارغ، فالنظرية النسبية تقول إن الاجسام التي تتحرك بصورة أسرع يمر الزمن فيها بشكل أبطأ والعكس صحيح.

مكانة علي الكيالي عند متخصصي الفيزياء:

الدكتورة ريم الطويرقي المتخصصة بعلوم الفيزياء والتي كُرمت عالمياً في فرنسا لجهودها المتميزة في الفيزياء نقدت سخافات الكيالي ثم قالت: (نعم هو الدكتور الكيالي وسبق أن تحدثت عنه في تويتر، وراسلته أطلب منه أبحاثه التي يستند عليها في مزاعمه المتعددة ولكن لم يرد علي.. قد يكون الإنسان يريد خيرا ولكن بعض ما جاء به ضرره أكثر من نفعه للعقل والعقيدة).

أما الأستاذة الدكتورة في الفيزياء النووية شيرين السالمي كتبت مغردة: (أقدّر نوايا الكيالي، وأنه يريد إقناع الناس أن العلم يدعم أوامر نبينا محمد عليه الصلاة والسلام، لكن أوامر الرسول ليست بحاجة لتلفيقات علمية!

المؤمن لا يحتاج لدراسات علمية تثبت صحة ما ذكر بالقرآن والسنة لأنها حقائق مسلمة بالنسبة له، وتلفيق الدراسات العلمية ليس إلا فقاعة صابون فارغة.

بالعكس، تلفيق الأدلة العلمية تجعل غير المسلمين ينفرون من الإسلام، لا تنسَ [أنهم يستطيعون البحث]) أ.هـ

ووصفت الدكتورة شيرين محاضرات الدكتور الكيالي بأنها تحتوي على افتراءات علمية ومغالطات كونية، وعلى حسب رأيها الشخصي وصفت فعل الدكتور الكيالي بأنه قلة تهذيب مع آيات القرآن الكريم.

ومن الطريف بمكان ما كتبه المهندس طلال عيد العتيبي -عضو هيئة التدريس في كلية الدراسات التكنولوجية بالكويت – وكان قد سئل على موقعه الشخصي عن إثبات علي الكيالي لصحة علم الطاقة ..إلخ…

فأجاب: (له مِنّي جيب لكزس إذا أثبت صحة نتائج بحثه بأي طريقة علمية معتمدة مرفقا بحثه والمعادلات الرياضية التي استخدمها منشورة في مجلة علمية محكمة، التحدي مفتوح إلى قيام الساعة، سئمنا من الكذب العلمي وتزييف الحقائق، نحترم الأشخاص لكن الحق أحقّ أن يُتبع. أضع هذا التحدي مطمئنا لعله يختصر الموضوع).

محاولات تفسير فاشلة ينفر منها العقل والعلم والشرع:

يزعم الكيالي في تفسير قوله تعالى: “يوم ترجف الراجفة”، فيقول: (ستقوم هذه القذيفة –يقصد كوكبا من الفضاء بحجم الأرض- بضرب الأرض من جانبها فتعكس دوران الأرض فتشرق الشمس من مغربها …)، ولك أن تتخيل حجم الخرافة والجهل في كلامه هذا الذي يسميه تفسيراً، الحقيقة أنني لا أستغرب مبالغته السخيفة بل استغرب أن يصدق صاحب عقل سليم أن جسما ثقيلا يوازي الأرض يضرب الأرض من جانبها فيعكس دورانها فقط، وكل ما سيجري هو أن تشرق الشمس من مغربها!!!!

ومعلوم لكل الناس أنه إذا تصادمت سيارتان ستكون هناك أضرار بالقطع في كلا السيارتين، وكلما كانت السرعة والحجم أكبر كانت الأضرار أكثر، أما أن تتصام سيارتان دون تضرر جسم السيارة والسائق فهذا خيال ووهم لا يقبله إلا عقل مريض! فما بالك بالأرض!!!!

ختاماً:

المقدمات الفاسدة مع الجهل في العلوم الطبيعية والعلوم الدينية إضافة إلى الجهل باللغة العربية قاد الكيالي إلى نتائج منها ما هو مخالف للعقيدة ومنها ما هو مخالف للواقع، ولك أن تتخيل حجم المخالفات الشرعية والمنطقية في كلام الكيالي ومن باب المثال فقط:

  • ينكر الكيالي وجود يأجوج ومأجوج.
  • يقول: إن سبب خلق الله للبشر أن يعيشوا بسعادة، وهذا مخالف لقول الله: (وما خلقتُ الجن والإنس إلا ليعبدون).
  • ينكر الكيالي وجود حوض الكوثر.
  • يعتقد أن نظرية داروين في تطور الكائنات صحيحة.
  • يدّعي معرفته بمكان الجنة والنار.
  • يقول إن أمر الله يأتي بسرعة الضوء.
  • الميزان يوم القيامة يعمل على قانون أينشتاين E=MC”2″
  • يعتبر أن الحور العين بمثابة دليل سياحي لأهل الجنة وهن مجرد خدم.
  • وينكر أن حواء أكلت من الشجرة.

وغيرها من المصائب والبلايا …

 

الأرشيف

بعث الخرافة
رؤية و روية
القائمة