• الإجابة :
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وبعد:
فقد انتشرت رسالة تتحدث عن «السبلمنل»، وكثرت الأسئلة عن حقيقة هذه الممارسة ومدى تأثيرها، فهذا ما تيسرت كتابته:
تُطلق كلمة subliminal على الشيء الذي يقع تحت الحد الأدنى للإدراك الواعي، أو ما يمكن تعريفه بالرسائل الخفية والمبطنة.
ومن المعتقدات الشائعة أن الرسائل المبطنة -أو “السبلمنل”- يكون لها أثرا كبيرًا في معتقدات الإنسان وسلوكياته دون أن يشعر بذلك، ومن ثم يُعتقد أنه يمكن التحكم بالعقل الباطن من خلال هذه الرسائل.
وللتوضيح: يمكننا تقسيم الرسائل المبطنة إلى قسمين:
الأول: الرسائل المُبطنة المُدركة بالحس، غير المدركة بالوعي، بحيث تعمل على صناعة القناعات من خلال الحواس دون أن ينتبه لها الإنسان.
مثال ذلك: لو يُظهر الرجل المتدين في وسائل الإعلام بصورة مُستقذرة بشكل متكرر، ويُنتقى الشخص المتدين سيّيء المظهر والمنطق لمقابلته في الشارع والأسواق باستمرار، فينطبع في ذهن المُشاهد -دون أن يشعر- أن الرجل المتدين غير مهذب، وأنه قبيح المظهر، ويتولد في نفسه نفور تلقائي دون تصريح بالذم المباشر.
وهذا النوع -مع أهميته- ليس هو موضوعنا في هذا المقام.
القسم الثاني: هو الرسائل المبطنة التي لا تُدرك بالحس مباشرة، وإنما يُعتقد أنها تؤثر في «الـ لا وعي» وفي العقل الباطن، ومن ثم تُغير القناعات والسلوك.
والاعتقاد بتأثير هذا النوع شائع بين عوام الناس، رغم أن الدراسات العلمية لا تؤيده.
يقول البروفيسور في علم الأعصاب د.تيريس هاينز: «سنوات من البحوث العلمية توصلت إلى أن تأثير الاستثارة الضمنية subliminal stimulation محدود جدًا»، وإلى عدم وجود ما يؤيد القول بفائدتها في تحوير السلوك ( هاينر، ٣١٢ ).
ومع ذلك، وُجد من يستغل جهل الناس ويحتال على أموالهم ببيع مقاطع صوتية -لمعازف موسيقية أو أصوات طبيعية- تتضمن رسائل مبطنة لا يدركها السامع، وتساعده -بزعمهم- على إنقاص الوزن أو جذب الثراء، كعبارة: «أنا غني»، «أنا أجذب الوفرة» ونحو ذلك.
أما السؤال عن وجود ما يُخالف المعتقد في استخدام «السبلمنل» لتغيير حال المستمع فيعتمد على نوع الرسائل ونوع التغيير.
• فإن كانت الرسالة المبطنة نوع من العبارات التحفيزية كقولهم «أنا أستيقظ مبكرًا» أو «أنا أحب المذاكرة» الهدف منها إقناع الشخص بأنه يمتلك هذه الخصال أو تشجعه على اكتسابها، فيُرجع في فائدتها لأهل الاختصاص، وإن كانت الدراسات المنشورة تشير إلى عدم أو ضعف الأدلة على ذلك.
غير أنه لا يظهر لي فيها ما يخالف الاعتقاد، إلا أن تختلط أو تؤدي إلى النوع الثاني.
• النوع الثاني: الرسائل التي توحي بتغيُّر لا يملكه الإنسان، كتلك المتعلقة بذات الغنى، أو الشفاء، أو الأقدار المحيطة – لا بأسبابها.
فهذه ترجع إلى الاعتقاد بأن «العقل الباطن» لديه قدرات خارقة، وإمكانات غير محدودة، فهو الذي يشفي، وهو الذي يأتي بالمال، والزوجة، والوظيفة، وكل ما يريده الإنسان من الأرزاق والأقدار، وهذا معروف في الطرح «الروحاني» الذي يروج أصحابه لهذه الممارسة اليوم.
وهي -بهذا الوصف- لون من ألوان «جذب القدر» وشرك في الربوبية، ومنازعة لله في خصائصه، إذ هو -وحده- المالك الرازق المدبر سبحانه، وليس للإنسان – ولا لعقله الباطن- في ذلك يدٌ إلا أن يفعل الأسباب المشروعة ويتوكل على الله.
وبناء على ما سبق، فإني أرى التحذير من تطبيقات «السبلمنل» لعدم وجود ما يُرجح فائدتها علميًا، ولاختلاطها بالمعتقدات الباطنية حول العقل الباطن.
وفي الأسباب الشرعية والكونية الثابتة غنية، والحمد لله.
هذا والله أجل وأعلم، وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلّم.
_________________
المجيب :
د. هيفاء بنت ناصر الرشيد
دكتوراه في العقيدة والمذاهب المعاصرة.
الوسم المرجعي : #الوعي_والنفس_والعقل_الباطن
قناة اسأل البيضاء:
https://t.me/ask_albaydha