حتى لا نفقد هويتنا

المشاهدات : 1,289
أولاً: لابد أن نعرف من نحن: لقاء تربوي بعنوان “من أنا؟”

قدمته لشرائح متنوعة في المجتمع النسائي قدمته للصغيرات في المدارس الابتدائية، ونفذته مع المراهقات في مراحل المتوسطة والثانوية، وجلست تحت مظلته مع طالبات المرحلة الجامعية.

وقد كان المنطلق الذي على أساسه اخترت هذا الموضوع بعناوينه ومضامينه الواقع الذي نعيشه ألماً وأملاً، واقع تعيشه شرائح من الأمة غافلة عن هويتها، لاهثة وراء كل ناعق حتى أضناها السير وأتعبها الضرب في بيداء الحياة وانتهت إلى تجرع مرارة الذل مخدوعة بجمال الكأس الذي يقدم فيه. وشرائح أخرى مخدّرة ترقب بعين ناعسة وجسد هدته المحن أن تحدث معجزة فتعود الأمة للريادة وينهض المسلمون من غفلتهم!

وشريحة ثالثة تقف حائرة متخبطة مترددة، متناقضة مع نفسها تعلن بهيئتها ومظهرها تبعية مزرية ولكنها تنهض لتهتف مع الهاتفين أحياناً: ” العزة للإسلام والمسلمين”!!

وشريحة أخرى تتقوقع على نفسها خائفة على ثوابتها تطلق زفرات حرّى على واقع أليم وجراحات نازفة تعيشها الأمة، وتدعو من قلب مكلوم: أن اللهم عجل بالنصر.

وشريحة أخيرة نأمل أن تكون أكثر ظهوراً وبروزاً، صورتها تتجسد في مسلمة تسير رافعة رأسها معتزة بإسلامها، متميزة بلباسها وحركتها وسكنتها لا تلتفت لنداءات المثبطين ولا تغتر ببريق زائف أو سراب خادع… تؤمن بالله، وبقدره حلوه ومره، وتدرك السنن الربانية؛ فتشمر عن ساعد الجِد معلّمة ومُذكّرة، وتنتصب قائمة داعية، وتنطرح ساجدة متضرعة… عزيزة بانتمائها… عزيزة باعتقادها… عزيزة بفكرها… عزيزة بلباسها… عزيزة باهتماماتها… عزيزة في حياتها… عزيزة في مماتها… عزيزة بوعد ربها…

ومن أجل تحقيق هذا الأمل كان لقاء “من أنا ؟” لنقف في لحظات تأمل وتبصر ثم نمضي معاً لنخطو خطوتنا نحو استعادة عزتنا تحدونا نماذج مضيئة كان شعارها ” نحن قوم أعزنا الله بالإسلام” فاعتزازنا بالدين يحقق الأمل المنشود… ونحن إن عرفنا من نحن فوق هامات المجد…

لاشك أننا تلك الأمة التي اختلطت دموعها بدمائها وأنهكتها الجراحات وأحل الكفر بساحاتها ضيماً يطول عليه النحيب.

ولا ننكر تخلفنا في كثير من جوانب الحياة المادية.. ولا نستطيع أن نغض الطرف عن ضعف قوتنا العتادية. إلا أننا يجب ألا ننسى في خضم هذه الهزائم المادية أننا أتباع سيد المرسلين، وأفراد خير أمة أخرجت للعالمين، وبيدنا حبل الله المتين، به نستطيع أن ننهض منكبوتنا ونستعلي بعد ذلتنا.

نحن أصحاب رسالة ماطرق العالم شريعة أكمل منها، وقاعدة الكمال فيها مطردة في جميع جوانبها قال ابن القيم -رحمه الله- مبيناً استغناء الأمة بما جاء به الرسول عن كل ما سواه: “وبالجملة فقد جاءهم بخير الدنيا والآخرة برمته، ولم يحوجهم الله إلى أحد سواه”.

يجب أن لا ننسى أننا -إن تمسكنا بالذي أوحي إلى نبينا- فلن نضل أبدا، وسيتحقق منتهى مرادنا الذي نسأل الله ليل نهار أي يمن به علينا مبتهلين في كل ركعات صلاتنا: ” اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين”.

يجب أن لا ننسى من نحن، فنحن أفراد في ركب شريف عزيز على الله عز وجل، يتقدمه محمد ﷺ، والنبيين عليهم أفضل الصلوات وأتم التسليم، ركب يسير فيه أبوبكر وعمر والعشرة المبشرين، ركب فيه خديجة وعائشة وسائر أمهات المؤمنين، ومن رجاله ابن المسيب والبصري -رضي الله عنهم- أجمعين وغيرهم من الصالحين على امتداد التاريخ.

ونحن -إن صدقنا وما بدلنا- معهم -بإذن الله- سائرين نسمع مواعظ الحبيب، وكلمات الناصحين وتسبيح المسبحين بما يحرك في القلب المحبة، ويوقظ من الغفلة، ويُنهض من الكسل، ويحذّر من الفتنة، ويخوّف من البدعة، ويُعظم الأنس والرغبة.

يجب أن لا ننسى من نحن، حتى لا نفقد هويتنا. متأثرين بواقعنا الأليم. ولكن إن حصل ما نخافه، وقد نسي فئام من الأمة، أو غفلوا عن حقيقة كوننا الأعلى، فلا بد أن يستمر التذكر أننا أصحاب أكمل رسالة ، وأشمل منهج للحياة، وأننا في غنى عن كل من سوانا وكل من سوانا محتاج لما عندنا، فما ترك نبينا خيراً إلا ودلنا عليه ولا شراً إلا وحذرنا منه فجزاه الله عنا بخير ما جزى نبياً عن أمته

يجب أن نُذكر حتى تقل مظاهر التبعية التي تعدت عامة الناس وألقت بظلالها المخيفة على أوساط المثقفين وطلبة العلم والتربويين، فبعض الأفكار والقيم داخلتها اللوثات المادية النفعية الغربية أو تلك الفلسفات الروحية الشرقية، وطريقة الملبس والزينة أصبح نموذجها ما تقرره بيوت الأزياء العالمية وإن كان يتسم بالصفاقة والإباحية، ولبلوغ كمال الأناقة لا بد من إظهار أنها من ماركة أجنبية، والتغذية والحمية أصبح مصدرها الآيروفيدا الهندية، أو الفلسفة الماكروبيوتيكية.

أما الطب والصحة فتجدها -بزعمهم- في طاقة الأحجار والأهرامات، وفي شوربة الميزو اليابانية، كما لابد من ترك العسل واللبن، وجميع المنتجات الحيوانية، وإن كان يحبها خير البرية، والرياضة واللياقة والقوة أنفعها تلك المأخوذة من الديانات الصينية وتحت دعاوى استمداد الطاقة الكونية، ولن تصبح مميزاً فيها مالم تتلقاها في المعابد الوثنية على أيدي النساك وأصحاب اللمسة العلاجية!

أما عن أفضل منهج للحياة بتفاؤل وإيجابية، والتواصل مع النفس ومع البيئة الخارجية فهذا لا يوجد بكفاءة إلا عند أهل البرمجة اللغوية العصبية!

وإن أردت تميزاً أكثر فخلل كلامك بلغة أوربية  والحن في لغتك العربية بلكنة أعجمية، واذكر أسماء أساتذتك ومدربيك من المدارس الغربية الأمريكية أو البريطانية، أوالمدارس الشرقية الصينية واليابانية.

ومن المعلوم أنه كما قال الإمام ابن تيمية -رحمه الله-: (من شأن الجسد إذا كان جائعاً فأخذ من طعام حاجته استغنى عن طعام آخر، حتى لا يأكله إن أكل منه إلا بكراهة وتجشم، وربما ضره أكله، أو لم ينتفع به، ولم يكن هو المغذي له الذي يقيم بدنه، فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته، قلت رغبته في المشروع وانتفاعه به، بقدر ما اعتاض من غيره بخلاف من صرف نهمته وهمته إلى المشروع؛ فإنه تعظم محبته له ومنفعته به، ويتم دينه، ويكمل إسلامه). فلما أقبل الناس على هذه الأفكار وازدحموا في دوراتها التدريبية، وتناقلوا أخبار وصفاتها العلاجية. انتشرت صور جديدة من صور التبعية، وظهرت بصورة محزنة جماهير في طريقها لفقدان الهوية، فلا تميز ولا تفاضل فالدين واحد تحت مظلة الأخوة الإنساني، حتى قرأنا في أحد الصحف المحلية أن المدرب البريطاني الكافر يؤدي الصلاة مع المسلمين بالثياب العربية في مشاركة وجدانية!

فحتى لا نفقد هويتنا، وحتى لا تميّع عقيدتنا، وحتى لا تزعزع ثوابتنا، لابد أن ننتبه فالغزو الفكري العقدي في صورة المذاهب المادية والتطبيقات الروحية الفلسفية الحديثة يتسلل إلى بيتي وبيتك عبر شاشات الفضائيات في البرامج والأفلام الكارتونية وعبر مواقع الشبكة العنكبوتية، وعبر ألعاب الأطفال، وبطريق وصفات علاجية في كثير من عيادات الاستشفاء البديل، ومن خلال الدورات التدريبية، وفي مقالات المجلات والجرائد، متلفعة بالنفع متلونة بالسعادة على حين غفلة من جند الحق.

فاستمسك بالكتاب والسنة وكن حارساً يقظاً لفكرك وفكر أهل بيتك فلا تجد هذه اللوثات طريقها إليك مهما تزينت وتزخرفت أو تلونت وتنوعت.

كاتبته: فوز بنت عبداللطيف كردي – 15/ 4 / 1424هـ نشر في مجلة الأسرة.

الأرشيف

علم الطاقة الباطني
حتى لا تضيع الحقيقة
القائمة