*هذا المقال موجه لعموم القراء، وليس خاصا بطلاب العلم الشرعي، ولذلك لم يكتب بالأسلوب العلمي المعتاد عندهم، فآمل مراعاة ذلك عند القراءة.
كنت في جلسة عائلية خاصة جمعتني بأخواتي ليلة الأحد الماضي، ودار الحديث بينهن عن أكثر الكتب انتشارًا وشهرة وجاذبية للقارئة المبتدئة. فاقترحتْ إحداهن كتابًا سمعتُ به عدة مرات، ولكني لم أطّلِعُ عليه من قبل، هو كتاب (الرقص مع الحياة) للمؤلف العراقي: مهدي الموسوي.
فطلبتُ منها إحضار الكتاب لأتصفحه، وقضيتُ بقية أمسيتي بين أخواتي وصفحات الكتاب، أبحثُ فيه عن السر الذي جذب انتباه الشباب، وأيقظ الهمم النائمة للقراءة.
ومنذ أن وقعت عينيّ على أولى الورقات، أدركتُ أنه سيتعين علي كتابة تعليقات منشورة تبرأ بها الذمة، وتعكِّر -مع أسفي- صفو نشوة “الراقصين مع الحياة”، ولذلك لن تروق لكثير منهم، ولن يقبلها الذين لا يعون أهمية حماية جناب التوحيد، وحفظ العقيدة نقيةً من شوائب البدعة وشوارد الفكر الدخيل.
لقد قامت بُنيَة الكتاب وفكرته الرئيسة على مقالات موجزة تتضمن بعض النصائح التي يوجهها الكاتب للإنسان العصري الذي أرهقته هموم الحياة، ويزعم أنه سيسمو به فوق تلك الهموم ليحلق في سماء الروح المطمئنة. ولكن الحقيقة المؤلمة أنه يُمسك بيد أصحاب القلوب المتعطشة فيخطو بهم في درب خطير زَلِق، لا يُدرك أكثرهم حقيقته، ولا ينتبهون -حقًا- لنهايته.
ولا شك أن كل كتابٍ يُمثّل كاتبه، ويُعبر -حسب موضوعه- عن منظور المؤلف للكون أو الدين أو الحياة، وليس كتابنا هذا باستثناء، بل هو صورة واضحة لهذه القاعدة، وهو ما سأوضحه -بإذن الله- في ثنايا المقال.
علمًا أن الكلمات التي سأسطرها في بضع ورقات ليست خاصة بهذا الكتاب، ولا هي موجهة لقرّائه فحسب، فهو ليس سوى نموذجًا وقع بين يديّ لتيّار عارمٍ يُنذر بتغييب السُّنة، وتغريب ما كان عليه سلفُ الأمة، ويُقِّدم بديلًا “روحانيًا” متهالكًا، يصنعُ جيلًا مائعًا لا يميز بين السُّنة والبدعة، ولا يستبين له سبيل المجرمين.
قد يتساءل القارئ: ألهذا الحد بلغت خطورة كتابنا اللطيف؟ وما الذي حوته صفحاته ليستحق هذا التقديم؟
فدعونا نبدأ من النهاية، من مقدمة الكتاب التالي لكتابنا، والذي أسماه الموسوي: (أريد أن أعيش)، ووصفه بأن فيه «مواصلة الرقص مع الحياة، وعيش مستوى جديد من التنور الروحي».
فالوصول إلى “التنور” أو “الاستنارة” هو الغاية الأسمى للسالكين، وكل ما دونها ليس إلا خطوات تقربهم إلى تحقيقها. ولكن ما هو “التنور الروحي” أصلا؟ وما هي صفات الشخص “المستنير”؟
هل تتحقق الاستنارة بحفظ التوحيد والتزام شرع الله؟
هل التنور الروحي صفة أولياء الله الصالحين؟
هل هو خطوة في طريق الإنسان إلى الجنة؟
الواقع -للأسف- أنه ليس شيئا من ذلك، بل هو بعيد كل البعد عن مقاصد الشريعة الإسلامية، وأكاد أجزم أن كثيرا من القراء لا يُدركون المعنى الحقيقي لهذه المصطلحات، وأنهم لو علموا المقصود منها لنفروا من الكتاب وكاتبه.
■ الاستنارة الباطنية.
إن «التنور الروحي» الذي ينشده المؤلف يحصل عندما لا يميز الإنسان بين الكفر والإسلام، ولا يفرِّق بين من يعبد رب العالمين، ومن اتخذ من دونه شركاء، فـ “المستنير” يراهم كلهم سواء، وكل الطرق عنده صواب، فهو يقول:
«لقد كنت أثناء رحلتي أصلي حيث حللت، فكنت أقيم أذان الفجر في معبدٍ بوذي، وأركع عند الظهر في كنيسة، وأسجد لصلاة العصر في مسجد للمسلمين».
وكأنه يحاكي قول ابن عربي إمام زنادقة الصوفية القائل بوحدة الأديان:
لقد كنت قبل اليوم أنكر صاحبي
لقد صارَ قلـبي قــــــابلاً كلَ صُـورةٍ
وبيتٌ لأوثـــــــــانٍ وكعــــــبةُ طـــائـــفٍ
أديـنُ بدينِ الحــبِ أنّى تـوجّـهـتْ
إذا لم يكن ديني إلى دينه داني
فـمرعىً لغـــــزلانٍ ودَيـــرٌ لرُهبـَــــانِ
وألـواحُ تـوراةٍ ومصـــــــــحفُ قــــــرآن
ركـــــائـبهُ، فالــحبُّ ديــني وإيـمَاني
ولا شك أن القول بصحة أديان المشركين ومساواتها بالإسلام قول في غاية الانحراف، فقد قال الله تعالى: {وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلَامِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ} وقال سبحانه: {إِنَّ الدِّينَ عِندَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ}، وقال رسول الله ﷺ: [والَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ لا يَسْمَعُ بِي أَحَدٌ مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ -يَهُودِيٌّ وَلا نَصْرَانِيٌّ- ثُمَّ يَمُوتُ وَلَمْ يُؤْمِنْ بِالَّذِي أُرْسِلْتُ بِهِ إِلاَ كَانَ مِنْ أَصْحَابِ النَّارِ].
■ مفهوم الإله عند مهدي الموسوي.
إن الإشارات الصوفية المتفرقة في كتاب (الرقص مع الحياة) تبدلّت لتصبح تصريحات قبيحة في الكتب التي نشرها من بعده. وأصبحت الرسائل المبطنة التي دعت لنبذ السُّنة وتكريس البدعة صريحة سافرة في مؤلفاته التالية.
وليس أوضح انحرافا مما قاله الموسوي عن حقيقة الرب جل في علاه، فهو لا يتحدث عن إله عظيم له أفعال وصفات، بائن عن خلقه مستوٍ على عرشه فوق سبع سماوات، بل الإله عنده ليس إلا «تجربة» يعيشها الإنسان، و «حالة» يصل إليها الوجدان!
يقول في كتابه (أريد أن أعيش): «الله بالنسبة لي حالة وإحساس ينتابني عندما أكون في حالة وجدانية سامية..». وهذا قول مشهور في الفلسفات الشرقية، وفي المعتقدات الصوفية المغالية، يتفرع عن قولهم بوحدة الوجود التي لا تمييز فيها بين خالق ومخلوق، وتصورهم المنحرف عن مفهوم الإله.
ولذلك لا يُستغرب أن يستشهد الموسوي في (الرقص مع الحياة) بكتابات وليام بليك -الشاعر الإنجليزي الذي اشتهر باعتقاده بوحدة الوجود- وبقوله المعبر عن هذا المعتقد: «إن بإمكاننا أن نرى المطلق في حبة الرمل، والأبدية في زهرة» بل يتجاوز ذلك بنقل قول ينسبه إلى المسيح u فيه تصريح بتأليه الموجودات كلها حيث يقول: (إنه الإله، وأنا الإله، وأنت الإله).
ولذلك لا يُستغرب أن ينسب العون والحماية إلى القوى الكونية عند قوله: «إذا سخرتَ قواك من أجل الآخرين بدون توقع مقابل منهم، فسيتوهج كيانك بالطاقة، وستتضافر قوى الكون لكي تعينك على الحياة وتحميك من الأيام الصعبة».
ولا شك أن القول بوحدة الوجود من أقبح العقائد وأكثرها انحرافا، يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله: القول بأن “وجود كل شيء هو عين وجود الخالق تعالى، هذا منتهي الإلحاد، وهو مما يعلم بالحس والعقل والشرع أنه في غاية الفساد”.
■ تعظيم النفس البشرية.
تظهر آثار للفلسفات الشرقية والتصوف المغالي في طرح مهدي الموسوي عند تعبيره عن نظرته للإنسان، ومصدر قوته وحدودها. فإن الإنسان في الفلسفة الشرقية إله مُقنَّع، إذا تمكَّن من فهم حقيقة نفسه أطلق قواه الخفية التي ليس لها حدود بزعمهم، فيصير كل أمره بيده: سعادته، وصحته، وجميع أقداره.
وهذا مؤلف (الرقص مع الحياة) يعزز ذلك المعنى، فيقول: «أنا الذي أصنع قدري، وأقرر كيف ستسير أموري»، ويجعل التفاته واعتماده على نفسه، قائلاً: «سأكون سيد حياتي»، و «إن السعادة قراري»، ونصيحته لقرائه تتلخص في: «استند على نفسك»، و «اجعل سعادتك مرهونة بنفسك وذاتك وقوتك الداخلية».
ويؤكد أن مصدر قوة الإنسان داخلية استقلالية بحكاية ينقلها عن معلم روحي مجهول المعتقد، فيقول: «سأل التلميذ معلمه الروحي: ما هو أقوى شيء في العالم؟… إنها الصخرة، فهي تستقي قوتها من داخل نفسها».
ونسي المؤلف أنه لا حول ولا قوة إلا بالله، وأن النبي ﷺ قال: [اللَّهُمَّ رَحْمَتَكَ أَرْجُو فَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ، وَأَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ]، يقول ابن القيم رحمه الله: “مِن ههنا خُذل مَن خُذل، ووُفِّقَ مَن وُفق، فحجب المخذول عن حقيقته، ونسي نفسه، فنسي فقره وحاجته وضرورته إلى ربه، فطغى وعتا، فحقت عليه الشقوة، قال تعالى: {كلا إن الإنسان ليطغى أن رءاه استغنى} وقال: {فأما من أعطى واتقى وصدق بالحسنى فسنيسره لليسرى وأما من بخل واستغنى وكذب بالحسنى فسنيسره للعسرى}. فأكمل الخلق أكملهم عبودية، وأعظمهم شهودا لفقره وضرورته وحاجته إلى ربه، وعدم استغنائه عنه طرفة عين”.
■ مفهوم “الدين” عند الموسوي.
إن الحديث عن السعادة والطمأنينة الحقيقية لا بد أن يأتِ من خبير بطبيعة النفس البشرية، ولا أحد أعلم بالإنسان من خالقه الذي أوجده {أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِير}، وقد أعلمنا -سبحانه- بالسبيل إلى السعادة في الدنيا والآخرة بما أوحاه سبحانه إلى رسله وأنبيائه، فيما نعرفه نحن باسم “الدين”. فماذا يعرف مهدي الموسوي عن الدين؟
يقول مؤلف (الرقص مع الحياة) معبرًا عن منطلقه العقدي وخلفيته العلمية من خلال مفهومه الخاص لـ “الدين”:
«لا أفهم في الفقه ولا في الدين، ولكن حين أسمع الموسيقى أنسى همّي ويرق قلبي للمساكين، فأُقبل على الحياة ويملأ قلبي الحنين، أليس ذلك هو الدين؟»
ونقول: كلا، ليس هذا هو الدين، الدين طاعة واستسلام {بَلَى مَنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَلَهُ أَجْرُهُ عِنْدَ رَبِّهِ وَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ}، الدين اعتقاد وانقياد، إيمان وعمل صالح {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَٰئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ ۖ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}.
أما الرقص والطرب فهو دين المتصوفة والمبتدعة {الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا وَغَرَّتْهُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا}. قال السعدي رحمه الله: “جعلوا بدل دينهم اللهو واللعب، واستعاضوا بذلك عن الدين القيّم”.
■ من أين يأخذ معتقده؟
يُركز الكاتب في مواضع متعددة على الاسترشاد بالنفس، والالتفات إلى الداخل لتحصيل العلم والهداية، متأثرا بالفلسفات والفلاسفة الذين يُكثر النقل عنهم، من المتصوفة وفلاسفة الشرق ورواد الروحانية الحديثة.
ومن أبرز المعتقدات المشتركة بين المذاهب السابقة تقديم ما يسمونه “الإلهام” و “الحدس الداخلي” على الوحي الإلهي وأحكام الشريعة، أو بتعبير أيسر: الاعتماد على “الشعور” في الحكم على الأشياء، وليس على ظاهر نصوص الشريعة. ولذلك يؤكد الموسوي على أن الإنسان لا بد أن يبحث في “داخله” عن الطريق الذي ينجو به ويحقق السعادة.
فهو ينقل عن لاوتسو -مؤسس الطاوية- قوله: «لا جنائن في الشرق، ولا جنائن في الغرب، ابحث عن الطريق الذي أتيت منه، تجدها جميعًا بداخلك». ويُعَنْوِنُ بـ “حكمة بوذية” تنص على أن «لكل إنسان منا شمسان، واحدة في السماء وواحدة بداخله».
ويقول في موضع آخر: «لقد خلقنا الله وطلب منا أن نبحر في داخل أنفسنا لنكتشف عظيم آياته، ونغوص في أعماقنا لنتحرر من الشكوك والأوهام ونحرر طاقاتنا وأحلامنا».
ولا أعلم من أين أتى المؤلف بأن الطريق للتخلص من الشك واكتشاف عظيم الآيات هو بالغوص في أعماق النفس، فليس في الشريعة ما يدل على ذلك، وإنما يتحقق اليقين ويُنبذ الشك بتقوية الإيمان، والإيمان يزيد بالطاعة وينقص بالمعصية، فالتزام الأوامر واجتناب النواهي من أقوى أسباب اليقين، وهو ما يُغفله المؤلف تماما، بل يُهوِّن منه كما سيأتي بعد قليل.
ولا شك أن من أسباب الوصول إلى اليقين النظر والتفكر في آيات الله الكونية ومخلوقاته، وقد قال الله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ نُرِي إِبْرَاهِيمَ مَلَكُوتَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَلِيَكُونَ مِنَ الْمُوقِنِينَ}، وكذلك التفكر والاعتبار في نفس العبد، فإن فيها من الآيات البينات على وحدانية الله واستحقاقه Y للعبادة، قال تعالى: {وَفِي الْأَرْضِ آيَاتٌ لِّلْمُوقِنِينَ * وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ}، قال مقاتل في تفسير هذه الآية: (أفلا تبصرون كيف خلقكم فتعرفوا قدرته على البعث ، وقال قتادة: (من تفكر في خلق نفسه عرف أنه إنما خُلق ولُيِّنت مفاصله للعبادة) .
ولكن ليس في هذه الآيات ونحوها ما يدل على أن الإنسان يأخذ العلم من داخلة نفسه، أو أن المعارف مدفونة في أعماق ذاته تحتاج إلى الغوص لاستخراجها، وهو ما يشير إليه مهدي الموسوي في كتابه الذي فيه إلماحات متكررة إلى الاستغناء عن العلم المكتسب، والاكتفاء بالعلم اللدني.
فهو يحكي -مثلاً- نصيحة يسديها “معلم حكيم” إلى تلميذه، يعزز فيها هذا المعنى فيقول: «إنك لن تصل إلى الحكمة بمواصلة التحديق في الكتب، وستغدو ضريرًا، بل عليك أن تحمل مسؤولية حياتك».
ويجعل من علامات الوصول إلى مرحلة “الحكمة”، التخلص من التوجيه الخارجي، والاعتماد على ما تمليه عليه نفسك، فيقول: «عندما نصبح حكماء بما يكفي، فإننا نكون موجهين من الداخل، من داخل أنفسنا بدلاً من أن نكون موجهين من الآخرين».
ولا شك أن العلماء والمصلحين يدخلون في جملة “الآخرين” الذين لا ينبغي أن يخضع الإنسان لتوجيهاتهم، فيترك فهم الشريعة لأهواء الناس، وأفهامهم المتفاوتة، دون اشتراط أهلية أو علم مسبق بعلوم الشريعة.
قال ابن رجب رحمه الله: (يا لله العجب، لو ادعى معرفة صناعة من صنائع الدنيا -ولم يعرفه الناس بها، ولا شاهدوا عنده آلاتها- لكذبوه في دعواه ولم يأمنوه على أموالهم، ولم يمكنوه أن يعمل فيها ما يدعيه من تلك الصناعة، فكيف بمن يدعي معرفة أمر الرسول وما شوهد قط يكتب علم الرسول ولا يجالس أهله ولا يدارسه؟).
■ التهوين من المعتقدات والعبادات والشعائر الظاهرة:
إن من أقبح ما في كتاب (الرقص مع الحياة) تقوّل مؤلفه على الله سبحانه، والقول عليه بغير علم، فهو يقرر -بلا دليل- ما سيفعله الله عند الحساب، وما الذي يقدمه على غيره من الأعمال والأقوال، فيقول مثلا: «يوم القيامة، وقبل أن يحاسبنا الله على الشر الذي فعلناه، وعلى الخطايا وكل ذنب عملناه، سنحاسب أولاً على الحب الذي نسينا أن نمنحه لأخينا الإنسان».
ولا أعلم ما مستنده في هذه الدعوى؟! ومن الذي قال إن أول ما يحاسب عليه العبد يوم القيامة حبه للناس؟ بل إن الثابت في نصوص الشريعة أن أول ما يحاسب عليه العبد الصلاة، قال النبي ﷺ: [إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ]، وهذا ما يتعلق بحقوق الله تعالى، أما فيما يخص حقوق العباد فقد قال ﷺ: [أَوَّلُ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ الصَّلَاةُ، وَأَوَّلُ مَا يُقْضَى بَيْنَ النَّاسِ فِي الدِّمَاءِ] قال الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: “أول ما يحاسب عليه العبد من أعماله يوم القيامة الصلاة، وهذا بالنسبة لحق الله عز وجل، فإن صلحت فقد أفلح ونجح وإلا فعلى العكس خاب وخسر والعياذ بالله. أما بالنسبة لحقوق الآدميين: فأول ما يقضى بين الناس في الدماء؛ لأنها أعظم الحقوق”.
وهذا في حق الموحدين، فإن الناس تفترق أول الأمر إلى موحدين ومشركين، وأول سؤال للعبد في قبره هو: “من ربك؟”، ومع ذلك يُغفل الموسوي هذا الأمر الجلل، والمفرق الأكبر بين الناس، فيقول مهوّنا من أمر المعتقد الذي هو مناط الفوز والفلاح: «يوم القيامة لن يهتم الله عما فكرنا به، أو ما اعتقدناه، بل سيسألنا عن مدى صفاء قلوبنا، أو إن كنا أحببنا بصدق أو لا»!
لا شك أن مقياس الخير والشر والفوز والخسارة مختل عند هذا الكاتب، فمع أهمية صفاء القلب وسلامة الصدر في الإسلام، إلا أنه لم يقل أحد أن ذلك مُقدَّم على المعتقد، بل إن توحيد الله مُقدم على كل عمل ظاهر أو باطن، والمشرك بالله لن ينفعه صفاء قلبه وحبه للناس إن مات على شركه، قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ}، وقال عز من قائل: {إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ ۚ وَمَن يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَىٰ إِثْمًا عَظِيمًا}.
كما يُلحظ أن مهدي الموسوي يُزهِّد في العبادات الظاهرة في أكثر من موضع من كتابة، مؤكدا على عدم أهميتها، ومُحرِّفا معانيها، وفي الوقت نفسه يُشجع على الممارسات الروحانية الشرقية وينصح بها.
فانظر -مثلا- إلى المعنى الذي يُقدمه لمصطلح “الصلاة” كمفهوم تعبدي حيث يقول: «إن البحث عن البهجة في لحظات حياتنا هو نوع راق من أنواع الصلاة التي تقربنا من الله»، ففي أي دين يُعد البحث عن البهجة “صلاة” يتقرب بها إلى الله؟ بل في أي لغة يصح هذا المعنى؟
فالصلاة في اللغة العربية هي: الدعاء، ومنها قوله تعالى: {وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَّهُمْ} أي: اُدْعُ لهم بالمغفرة. وهي في الاصطلاح الشرعي: أقوال وأفعال تعبُّدية مخصوصة، تُفْتَتَح بالتكبير، وتُخْتتم بالتسليم. وليس لما ذكره الموسوي صلة بأي من هذين المعنيين.
ويُلمح بما يوحي بأن معناه المُحرَّف للصلاة هو موجب النجاة الأخروية، حيث يقول: «يُقال إن الفراعنة يؤمنون بأن الإنسان حين يموت ويحين يوم حسابه، يُسأل سؤالين لا غير: السؤال الأول هل عشت حياة بهيجة؟ والسؤال الثاني: هل أدخلت البهجة على الآخرين؟ فإذا أجاب بنعم فإنه يدخل الجنة».
فمنذ متى كانت حكايات الفراعنة -عُبّاد الأوثان- مصدراً لتلقي العقائد في اليوم الآخر؟! ولو حتى على سبيل الاستئناس.
ثم في حديث له عن الدعاء، يقول -مزهدا فيه-: عندما «توقفت عن الإلحاح على الله كل ليلة بالدعوة لشفائي من دائي، والإلحاح عليه كل يوم بأن يمن علي بالرزق الوفير عند ذلك فقط وجدتُ السكينة».
فعجبًا لمن لم يجد السكينة إلا بترك الدعاء..
قال ابن القيم رحمه الله في (الجواب الكافي) ما ينقض قول الموسوي: ” ومن أنفع الأدوية: الإلحاح في الدعاء. وقد روى ابن ماجه في سننه من حديث أبي هريرة قال: قال رسول الله e : [ من لم يسأل الله يغضب عليه ]. وفي صحيح الحاكم من حديث أنس عن النبي ﷺ : [ لا تعجزوا في الدعاء فإنه لا يهلك مع الدعاء أحد ] “.
ثم لننظر ما الذي ينصح به المؤلف بعد أن جعل الصلاة بحثا عن البهجة الدنيوية، والإلحاح بالدعاء سببا للحرمان من السكينة (!)؟
إنها التأملات الروحانية الشرقية التي تُستمد بها “الطاقة” من الكون.
يقول: إن «إحدى الوسائل البديعة للحصول على السكينة هي بالتأمل الفعال. هي دقائق من التفكر بوعي ويقظة، تبدأ من تجميع الطاقة الداخلية رويدًا رويدًا يرافقه تنفس عميق، وتصفية الذهن من الأفكار الخارجية، والتركيز لاستحضار طاقة الخير، وتكثيف الإحساس باللحظة».
وينقل عن معلم بوذي “مستنير” قوله: «تنفس من الأعماق وبرغبة صادقة في استقبال طاقة الخير من العالم»
ويقول: «وما هي إلا ثلاث دقائق من التنفس الهادئ العميق، بروح مستبشرة بالخير، وتصفية الذهن من الأفكار، وإذا بك قد انتقلت إلى عالم روحاني مليء بالسكون والطمأنينة. عندما تتنفس استقبل مع كل شهقة الرغبة الإلهية في أن يعم السلام والخير في هذا العالم».
وفي موضع آخر: «إن تطبيق ذلك النوع من التأمل يصلح كمقدمة ممتازة قبل الشروع بالصلاة بغض النظر عن الدين الذي تنتمي إليه».
بل يجعل هذه الممارسات سبب في استقبال “النور الإلهي”، فيقول: «عندما تتنفس تخيل أنك تكبر مع الهواء الذي يدخل إلى خلايا جسمك، وتتمدد في هذا العالم الفسيح وتتناغم مع هذا الكون… عندما تتنفس بهذه الطريقة فإنك تستقبل نور الله لكي تقوم فيما بعد بمنحه بكل امتنان لمن حولك».
فما هو “نور الله” الذي يقصده؟
وكيف يمكن استقطابه بالتنفس؟!
الحقيقة إن هذه الممارسات التي يدعو إليها المؤلف -والطريقة التي يعبر بها عنها- ليست سوى نسخة من التأملات الهندوسية والبوذية التي يهدف السالك منها لأن يتحد بالكون، ويدرك وحدة الوجود، يوقظ الشرارة الإلهية التي يزعمون أنها بداخل الإنسان.
■ الحكماء الراقصون:
رغم أن الكتاب كله يدور حول موضوع السعادة والحكمة، وقد استشهد الكاتب بأعلام من أقصى الشرق إلى أقصى الغرب ممن يعدهم «حكماء»، إلا أنه لم ينقل آية واحدة عن أحكم الحاكمين سبحانه، ولا حديث واحد عمن لا ينطق إلا بالحكمة عليه الصلاة والسلام، بل اكتفى برواد التصوف والعقائد الباطنية والروحانية، من أمثال لاوتسي وبوذا وأوشو وديباك والرومي ونحوهم.
فهو يستشهد بكلام شيخ الطريقة المولوية جلال الدين الرومي في مواضع متعددة، ويتدرج في نعته من وصفه بـ “الشاعر ” في بداية الكتاب، إلى التصريح بسيادته وفضله عند وصفه بـ “مولانا” في أواخره، وعلى غلاف
كتابة (مثل طير حر) تصوير فني لدراويش المولوية. بل يستشهد بأقوال الحلاج ، الصوفي الزنديق الذي قُتل ردة بسبب عقائده الكفرية.
وفي العبادات القلبية يستبعد عبادة الخوف، كعادة الصوفية الذين يجعلون العبادة مجرد حب، فيقول: «ادعوه حبًا وطمعًا وستجده معك وبين أنفاسك»، والله تعالى يقول: { وَادْعُوهُ خَوْفًا وَطَمَعًا }، وكعادة الصوفية كذلك، يصف الله بعبارات العشق والغرام التي لا تليق بعظمته وجلاله، فيقول: «اجعل الله حبك الحقيقي وعشقك الأبدي».
قال ابن القيم رحمه الله: “قال جمهور الناس: لا يطلق ذلك -أي العشق- في حقه سبحانه وتعالى، فلا يقال: إنه يعشق، ولا يقال: عشقه عبده”، وقال الشيح بكر أبو زيد: “لما فيها من سوء الأدب مع الله تعالى”.
كما يظهر تأثر الموسوي بالفلسفات الشرقية والروحانيات الحديثة، حيث ينقل عن بوذا وحكماء البوذية، وعن لاوتسو مؤسس الديانة الطاوية، وعن أوشو الذي جعل الإله والشيطان وجهان لعملة واحدة، وعن ديباك شوبرا الذي يروج لمعتقدات العصر الجديد ويقرر إلهية النفس البشرية وعقيدة وحدة الوجود.
إن الاستشهاد بأقوال هؤلاء ليس في أمور مادية مشتركة بين البشرية، كالعلوم الطبيعية أو المادية البحتة، وإنما هو استشهاد لأجل التوصل إلى سمو الروح، وطمأنينة القلب، والحكمة والسعادة..
فأي “حكمة” عند هؤلاء الضالين ضلالاً بعيداً؟
وأي سعادة ستتحقق باتباع نصحهم؟
فإن فاقد الشيء لا يعطيه.
قال الله تعالى: {فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنْكًا}، وقال تعالى: {مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً}.
فالسعادة الحقيقية لا يمكن أن تتحقق لمن لم يحقق التوحيد، وما يتوصل إليه من ضل عن السبيل ليس إلا بهجة زائلة، فكيف نستبدل الذي أدنى بالذي هو خير؟ ونبحث عن طب دائنا عند المرضى والدواء بين أيدينا؟
وقد صدق شيخ الإسلام ابن تيمية عندما لخص مفهوم السعادة في بضع كلمات، فقال: “من أراد السعادة الأبدية، فليلزم عتبة العبودية”.
■ لا فرق عند الموسوي بين مؤمن وكافر:
يؤكد المؤلف في ثنايا الكتاب على أن الإنسان لا يحق له الحكم على الآخرين مهما كانت أحوالهم، فهو ينقل – مثلا – عن الراهبة النصرانية تريزا
قولها: «إذا بدأت بمحاكمة الآخرين على أفعالهم، فلن يتسنى لي الوقت لأحبهم». ويقرر أن قبول الآخرين مطلق بلا قيود، بقوله: «سأنفتح على الآخرين بلا شروط.. وأقابل الناس بكل أطيافهم وانسجم معهم في حياتهم»، ويقول: «أطلق أحكامك على نفسك إن شئت، وأشغل نفسك بنفسك، واترك الناس لشؤونهم»
فلا يضر الإنسان سوء فعله، ولا يتفاضل الناس بحسب أعمالهم، وهم -عنده- معذورون لأن الله جبلهم على ذلك. يقول الموسوي مقررا هذا المعنى الجبري المنحرف: «لقد تأملت عميقًا فيهم، فوجدتُ أن في داخل كل إنسان ملاكا وشيطانًا يتصارعان، فتارة ينجح الملاك في دفع ذلك الإنسان نحو البر والخير، وتارة أخرى ينجح الشيطان في قيادته نحو الشر والأنانية. فقلت في نفسي: يجب أن أتقبلهم كما هم، فهذه خلقة الله».
إن هذا الطرح المتميع لا يُستغرب مع الخلفية الصوفية الواضحة للكاتب، ولكن المستغرب أن تُتقبل هذه العبارات دون نقد أو تمحيص، بل يُثنى على الكتاب ويمجد كاتبه “الملهم”!
فالشريعة الإسلامية قانون رباني عدل، يُحكم به بين الناس القسط، و {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}، وكل فاعل مسؤول عن فعله في الدنيا وفي الآخرة.
وإن كنا نتفق بأن المسلم لا يحكم على غيره دون بينة أو دليل، ولا بالموازين المادية الصرفة، وأنه لا يتفاضل الناس بناء على أعراقهم وألوانهم وأنسابهم وما لا يد لهم فيه، ولكن كيف يُقال: إنه لا ينبغي الحكم على الناس بناء على أفعالهم؟ وأن نتقبلهم بلا شروط؟ فهل البشر مع تفاوت أفعالهم سواء؟ وهل الحب والبغض المكتسب يُبنى إلا على الأفعال؟ فعلى ماذا تُقام الحدود إلا على الأفعال؟ وبماذا يُجازى الإنسان ويعاقب -في الدنيا – إلا بما ظهر من أعماله؟ بل إن القتال ينبني على ظاهر الأفعال، قال ﷺ: [أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، و أن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحق الإسلام، وحسابهم على الله] .
فالحكم في الدنيا على الأفعال الظاهرة، أما القلوب وسرائر الضمائر فأمرها إلى الله.
فماذا يعني تقبّل فاعل الشر “بلا شروط”؟
هل يعنى محبته المطلقة مهما فعل في حق الله أو حق البشر؟
هل يعني ذلك عذره في أفعاله القبيحة مهما بلغت؟
أم يعني أن يسلم الناس من عقوبة أفعالهم حتى يُبعثوا فيحاسبوا عليها في الآخرة؟
إن هذه العبارات المستوردة لا تتفق مع معطيات الشريعة -ولا حتى العقول السليمة-، بل هي شعارات نظرية عاطفية يغتر بها المغترون، مع غيابها التام عن التطبيق الواقعي، وخطورة الفوضى التي تجرها عندما يتحول التنظير إلى التطبيق.
كما أن المحبة في الإسلام ليست مطلقة، لكل أحد، بل لا يجوز للإنسان أن يحب من أبغضه الله إلا بما تقتضيه الطبائع ولا يستطيع الإنسان دفعه، يقول الله سبحانه: {لَّا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ}.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (إن تحقيق شهادة أن لا إله إلا الله يقتضي أن لا يحب إلا لله، ولا يبغض إلا لله، ولا يواد إلا لله، ولا يُعادي إلا لله، وأن يحب ما أحبه الله، ويبغض ما أبغضه الله).
ولا شك أن الله لا يحب الكافرين، فقد نص على ذلك في غير آية من القرآن الكريم، ولكن المؤلف لا يستند إلى الكتاب والسنة فيما يقرره ويقوله أصلا، فلن تجد لهذا ذكر في صفحات كتابه.
■ طريق الحق:
لا يهتم الموسوي ببيان طريق الحق، أو حتى الجزم بأن هناك طريق حق وآخر باطل، وإنما يسرد مزيج انتقائي من ثقافات وديانات وفلسفات دون تمييز أو تعقيب، وكأنه يوحي للقارئ بأن كل هذه الطرق صائبة، ولا يحق لإنسان أن يحتكر الحق لطريقه أو دينه.
فهو -على سبيل المثال- ينقل مقولة لـ أوشو عن “الله” تحت عنوان: (كن مع الله) والتي يقول فيها: «ابحث عن الله من خلال المحبة، لأن أجمل ما في المحبة أنها غير محدودة، ممتدة، لا متناهية».
ومع تلميعه لهذا الملحد، وتصديره الصفحة بقوله، يتجاهل الكاتب أن من أقوال أوشو الشهيرة “لا يوجد إله”، و “العبادة غباء”، و”الدين قد مات”، أوشو الذي جعل الإله وجها آخر للشيطان يُصدّر الكاتب بكلامه مقالة (كن مع الله)؟!
ثم في سائر المقال يُمثِّل “للمؤمن” المصلي بأليكس كارليل وبألكسندر فليمنغ، رجل نصراني يعتقد أن لله ولد سبحانه، وأنه ثالث ثلاثة. هؤلاء هم من ظن الموسوي أنهم سيعلمون القارئ معية الله، وأهمية الصلاة.
والكتاب مليء بالاقتباسات والحكايات والقصص التي تُعزز الاعتقاد بوحدة الأديان، وتساوي جميع الطرق، فهذه “حكمة بوذية” وتلك “فلسفة طاوية” و”دعاء راهبة” و”كتابة أسقف”، وليس فيه أي عبارة تدل على أن الحق واحد، وأن الطريق إلى النجاة لا يتعدد، وقد قال الله تعالى: {وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلامِ دِينًا فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ}. قال الطبري في تفسير الآية: (وَمَنْ يَطْلب دِينًا غَير دين الإِسلام لِيَدِينَ بِهِ، فَلَنْ يَقْبَل اللَّه مِنْهُ).
فكيف يعلمنا عن الله وعن فضل الصلاة من كان على دين الخاسرين، ومن توعد النبي e أمثاله بالنار؟
في الختام، ليعلم القارئ …
ليعلم القارئ أن نقدي لكتاب (الرقص مع الحياة) لا يعني خلوه من المنافع، أو أنه باطل كله ليس فيه شيء من الحق، بل إن في الكتاب فوائد متفرقة قد ينتفع بها بعض الناس، ولكن هذه الفوائد لا تقلل من خطورة الكتاب، والقواعد الفكرية والعقدية التي بني عليها، والتي تتسرب إلى معتقد القارئ دون أن يشعر بخطرها.
وليعلم القارئ أنه لا يكاد يخلو منتج بشري من شيء من الصواب، ومع ذلك لا يكون هذا النفع الجزئي حجة في قبول الكل، وقد أخبرنا الله تعالى أن في الخمر والميسر منافع للناس مع شدة تحريمهما عليهم، كما حرم الشرع النظر في التوراة والإنجيل رغم أن فيهما بقية حق من قول الله لا قول البشر، وذلك لأجل ما فيهما من باطل وتحريف. فإذا اختلط الحق والباطل، ولم تكن المنفعة حصرا على الموضع المختلط، قدم دفع المفسدة على جلب المصلحة.
وليعلم القارئ ما جمعته في هذه الورقات هو عرض مختصر لما في كتاب (الرقص مع الحياة) من مخالفاتٍ عقدية، وقد أغفلتُ بعضها مراعاة للإيجاز، ولعلمي أن كثير من الناس لا يقرأون المطوّلات.
وما في الكتب الأخرى لمهدي الموسوي هو أخطر وأقبح وأكثر صراحة في الانحراف مما هو في هذا الكتاب، وإنما وقع اختياري على هذا خاصة لشهرته وكثرة انتشاره بين الناس، فما كان فيه من خلل فهو في غيره أشد وأظهر.
وليعلم القارئ، أن الغرض الرئيس من كتابة هذا المقال ليس من مجرد التحذير من كتاب، و نقد مؤلفه، وإنما المقصود الأعظم هو التحذير من انتشار العقائد الروحانية والصوفية بين أبنائنا وبناتنا الذين نشأوا على التوحيد ومعتقد النبي ﷺ وأصحابه منذ نعومة أظفارهم، حتى أصبحت هذه المعتقدات الدخيلة تروج بوسائل خفية وجذابة لا ينتبه لها أكثر المهتمين.
فلأجل ذلك كتبتُ معذرة إلى الله، وبالله التوفيق.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
الكاتبة: د. هيفاء بنت ناصر الرشيد
١٤٣٩هـ