الكاتبة : جمانة محجوب.
نظر في التراث الصوفي المنسوب للإسلام، أخذ لُبّه شيء منه، واستمالت قلبه وسرقته عبارات الحب والسلام والحكمة والعشق الإلهي، وظنّ أن هناك عمقا للدين لم يصل إليه، ومرتبة من الحب والإيمان لم يدركها ، ثم وجّه أصابع الاتهام واللوم إلى المناهج والتربية والموروث ، الذي أنشأه على الحرام والتخويف والترهيب؛ ثم لم يلبث أن تحسس ومقت كل حروف الخوف وكل معاني الترهيب ، وهاجم كل من خالفه وينعته بالأدلجة والبرمجة والجهل وانخفاض الوعي، ثم التحق بدورات الطريق إلى الحكمة، ودورات رحلات السلام الداخلي، ودورات قوة الحب، باحثا عما يملأ فراغه وشغفه، وزعم أنه بلغ الحكمة فعاش في حب وسلام.
هذه قصة قصيرة ، لكل من دخل هذا الباب ، وأطرق سمعه للتصوف الذي كان يظنه مقبولا ، أو كان يرى فيه طريقا للحكمة والحب والسلام، أو كان من باب التسلية واكتساب الأدب والبلاغة من خلال روايتهم، أو كان ممن ضالته الحكمة وظنّ أنه سيجدها في ذلك الطريق.
إنّ الحب والحكمة والسلام مطالب وغاياتٌ جميلة وممدوحة، فإنّ من صفات الله تعالى المحبة ومن أسمائه الحكيم والسلام، بل رغّب في هذه الصفات وامتدحها، فقال تعالى: { يُؤْتِي الْحِكْمَةَ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا ۗ وَمَا يَذَّكَّرُ إِلَّا أُولُو الْأَلْبَابِ }، وقال صلى الله عليه وسلم: [ تهادوا تحابوا ]، وقال صلى الله عليه وسلم: [ المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ].
إلا أنّها مصطلحات قد تُسرق وتُجوّف عن معناها الشرعي الصحيح، إلى معانٍ فلسفية خطيرة تؤدي إلى الزيغ والانحراف.
فأحد المعاني الباطلة التي أطلق عليها الحكمة، هي الوصول إلى معرفة الحقيقة الإلهية للإنسان كما يزعمون، وأنه صورة عن الإله أو تجلٍ له أو نفخة
منه، وأنه إذا اكتشف هذه الحقيقة وعرفها فإنه قد وصل إلى الحكمة بزعمهم، ولذلك ظهرت بعض الدورات اليوم بمسمى الطريق إلى الحكمة.
ومن المعاني المنحرفة التي أطلق عليها اسم الحب، وأصبحوا يتنادون بها، حب كل شيء، وأولها النفس بكل عثراتها وذنوبها، حقها وباطلها، وحب كل الناس مسلمهم وكافرهم، وحب كل شيء الجيد والسيء، وذلك لأنّ كل شيء صورة عن الإله أو تجلٍ له أو فيضٌ عنه؛ ثم نتج عن ذلك السلام مع كل شيء ومع كل أحد لأنه جزء من الإله أو صورة عنه ( تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا ).
هذه هي عقيدة وحدة الوجود التي تزعم أن كل ما في الكون هو ذات الإله أو صورة عنه (تعالى الله عما يقولون علوا كبيرا)، ولا شك أنها أقبح الكفر، وأقبح من كفر اليهود والنصارى والمشركين.
والخطر كل الخطر أن تُمرر هذه العقيدة على فئام من المسلمين، متسترة بعبارات شرعية، بل وأدلة نقلية، فيقع في شباكها من يقع، دون أن يشعر أنه وقع في شر عظيم، ولعله لم ينتبه لقول الله تعالى : { وَإِذَا
مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَٰذِهِ إِيمَانًا ۚ فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَىٰ رِجْسِهِمْ وَمَاتُوا وَهُمْ كَافِرُونَ ) فإذا كان كلام الله يزيد من في قلبه مرض رجسا وشكا وهلاكا، عقوبة لهم، وهو الحق المطلق، فكيف بكلام أهل الباطل الذي لُبس لباس الحق وهو منه بريء، ولُبس لباس الدين وهو ليس منه ؟