الكاتبة : حنان العنزي
السعادة غاية مقصودة وضالة منشودة يبحث عنها الجميع ويسعى سعياً حثيثاً لتحصيلها، والناس مختلفون في طريقة البحث عنها والتفكير في الحصول عليها، لكن الكثير تخبط وتاه في سبيل ذلك.
فلقد أصبح طلب هذه الضالة المنشودة وسيلة اتخذها أصحاب الأغراض والأهواء لاستغلال المساكين الذين يبحثون عن سعادتهم فباعوا لهم وهماً بأبهض الأثمان يحسبه الظمآن ماء حتى إذا جاءه لم يجده شيئاً، فإنهم لما كثرت عليهم هموم الحياة وضغوطها ظنوا من خلال هذه الإعلانات البراقة والعبارات الساحرة لكثير من الدورات التدريبية المطروحة في ساحة التدريب: إنهم سيحصلون على السعادة بأيسر الطرق، فوقعوا فريسة سهلة أصطاد بها أصحاب الدورات ما في جيوبهم وأفسدوا مع ذلك دنياهم وآخرتهم.
تستروا تحت مسميات التنمية البشرية وتطوير الذات وليس لهم هم إلا جمع المال أو الشهرة، وصوروا لمن يلتحق بهذه الدورة أنك بمجرد انتهاء الدورة ستحصل على كل ما تريد من السعادة والمال والزوج وغيرها.
والملاحظ في هذه الدورات الموهمة لجلب السعادة التركيز على الأمور الآتية أو بعضها:
أولاً: الاعتماد على القوة الذاتية والقدرات الشخصية والثقة المطلقة بالنفس للوصول إلى السعادة.
إنهم يصورون للإنسان أنه قادر على كل شيء ولا يحتاج لأحد، فنجد في هذه الدورات الاستغناء بقوة الإنسان وقدراته وأن لديه قدرات كامنة لايعلمها يجب أن يخرجها لتحقيق السعادة، فتكثر مثل هذه العبارات لأسماء الدورات والكتب المروجة:
(تخيل قدرات نفسك، أيقظ قواك الخفية- قدرات لا محدودة- أيقظ العملاق الذي في داخلك).
وفي ذلك يقول إبراهيم الفقي: “أنت من يقوم بتحديد السعادة أو الحزن بأفكارك الخاصة”
ويقول أوشو في تفسير السعادة: “ما أعنيه هو أنك تبدأ كوْنك حيّاً في استقلال تام عن أي سبب خارجي. أنت لا تعتمد على أي أحد أو أي شيء لأجل أن تكون حيّاً مُفعماً بالحياة: لقد تَحَرَّرْت. وسعادتك ستصبح وتُمسي أبدية لانهائية مع هذه الحرية. إنها الحيوية الكلية، إنه الوعي الكوني”(١)
ثانياً: التعلق بما يسمى بقانون الجذب (Law of Attraction)))، وأنه سبب رئيس لجلب السعادة والصحة والمال وغيرها.
فيزعم أنصار هذا القانون أنه قانون كوني يمكن للإنسان من خلاله اجتذاب ما يريد، يعتمد على الاعتقاد بأن التركيز على شيء ما يبعث إليه ذبذبات من طاقة الإنسان ومن ثم يحصل عليه، بغض النظر عن إرادته له، لذا فهو يحمل الإنسان المسؤولية الكاملة عما يحدث له من سعادة وشقاء.
وهو ما يدعو إلى ترك الأسباب والعمل والاعتماد على الخيالات والأفكار المجردة، ومخالفته ظاهرة للشرع والعقل والحس(٢).
ثالثاً: تعليق جلب السعادة بالشاكرات السبعة الموجودة في الجسم.
المتدربون في دورات الطاقة التدريبية يُدربون على كيفية ممارسة الطقوس التي تمكنهم من فتح منافذ الطاقة في أجسادهم الشاكرات ((Chakras))(٣) والحصول على كميات أكبر من طاقة قوة الحياة، أو الاتحاد بها. ومن ذلك التدرب على تمارين خاصة وترانيم ووضعيات خاصة هي في الحقيقة طقوس وعبادات ورياضات روحية يستخدمها كثير من الباطنيين على اختلاف دياناتهم لاكتساب قوة فوق عادية في التأثير والشفاء حتى أنها سبب لتحصيل قوة إبراء وشفاء للنفس والآخرين بمجرد اللمس(٤).
ومن ذلك أيضاً زعمهم أن الريكي (( Reiki)) (٥) من مفاتيح السعادة الأبدية التي تمكنهم من الحصول على السعادة من خلال تحقيق الشفاء الجسدي والعقلي والعاطفي، كما أنه سبب للتخفيف من الأحداث العالمية كالكوارث والحروب، وهو سبب لتحقيق الآمال والحصول على الأمن والرضا والبركة.
رابعاً: ربط السعادة بعقيدة الاتحاد الصوفية.
وهذا يقوم على تصورهم للسعادة وأنها تنبع من داخلك عندما تنسجم مع ذاتك فتتصل بقوة السعادة التي يعنون بها الله سبحانه وتعالى، وتفسيرهم للسعادة هو امتداد لتفسير أسلافهم من المتصوفة أصحاب فكرة الاتحاد والحلول حيث قالوا في بيانها:
“سعادة النفس وكمالها أن تنتقش بحقائق الأمور الإلهية وتتحد بها حتى كأنها هي”.
“سعادة النفس وكمال جوهرها أن تكون مولية وجهها شطر الحق، معرضة عن الحواس منخرطة في سلك القدس، مستديمة لشروق الحق في في سرها، فكل ما يكون مانعاً من ذلك يكون حاطاً لها عن درجتها، وبقدر ما تعض عن حضرة الجلال والالتفات إلى جانب القدس باتباع الشهوات تعرض عنها الأنوار الإلهية، وكلما كانت أدرب بالمعقولات كانت إلى السعادة أقرب”.
خامساً: استخدام عناوين جاذبة لتلك الدورات مثل: (قوانين السعادة- أسرار السعادة- 100 طريقة للحصول على السعادة- الوصفة الروحية للسعادة- بإرادتي أصنع سعادتي- السعادة العميقة- سعادتك بيدك).
ويجدر التنبيه هنا أننا يجب أن لا نغتر بعناوين الدورات وأنه لا بد من نظر فاحص وتدقيق في أي دورة قبل القدوم على الالتحاق بها والتأكد من هوية مدربها وأهدافها وحقيقتها، فقد تحمل الدورة عنواناً مبهراً لا يشك في مخالفتها أحد، ثم تكون حقيقتها قائمة على التصوف الفلسفي أو الطاقة الفلسفية أو أو التأمل الشرقي والرياضات الروحية والوعي الروحي وغيرها مما له صلة بالمعتقدات الباطنية القادحة في عقيدة المسلم ولا تأثير لها في سعادة العبد بل قد تكون سبباً لشقائه في الدنيا قبل الآخرة.
سادساً: ترغيب الناس عن التعلق بالله والتوكل عليه والتجاء القلب إليه في جلب المنافع ودفع المضار.
وذلك بتعظيم الذات والاستغناء عن الله، ومعونته وترك الدعاء والافتقار إلى الله، وبذلك استبدلوا الذي هو أدنى بالذي هو خير، ويبين شيخ الإسلام ابن تيمية – رحمه الله- حالهم بقوله:
“إن كل آدب يحب أن تؤتى مأدبته وإن مأدبة الله هي القرآن، ومن شأن الجسد إذا كان جائعا فأخذ من طعام حاجته استغنى عن طعام آخر، حتى لا يأكله إن أكل منه إلا بكراهة وتجشم، وربما ضره أكله، أو لم ينتفع به، ولم يكن هو المغذي له الذي يقيم بدنه، فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته، قلت رغبته في المشروع وانتفاعه به، بقدر ما اعتاض من غيره ، بخلاف من صرف نهمته وهمته إلى المشروع، فإنه تعظم محبته له ومنفعته به ويتم دينه، ويكمل إسلامه، فإنه تعظم محبته له ومنفعته به ويتم دينه، ويكمل إسلامه0 ولهذا تجد من أكثر من سماع القصائد لطلب صلاح قلبه تنقص رغبته في سماع القرآن ،حتى ربما كرهه، ومن أكثر من السفر إلى زيارة المشاهد ونحوها لا يبقى لحج البيت المحرم في قلبه من المحبة والتعظيم ما يكون في قلب من وسعته السنة، ومن أدمن على أخذ الحكمة والآداب من كلام حكماء فارس والروم لا يبقى لحكمة الإسلام وآدابه في قلبه ذاك الموقع، ومن أدمن على قصص الملوك وسيرهم لا يبقى لقصص الأنبياء وسيرهم في قلبه ذاك الاهتمام ونظائر هذه كثير”().
إن المنهج الشرعي في طلب السعادة رسمه لنا من خلق الخلق وهو أعلم بما يسعدهم ﴿ألا يعلم من خلق وهو اللطيف الخبير﴾()، ولا سبيل للوصول للسعادة في الدارين إلا باتباع منهج الله، ومنهج رسوله ﷺ.
إن السعادة كل السعادة في الاستمساك بما جاء في القرآن الكريم الذي أنزله الله رحمة للعالمين، ﴿يأيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين﴾، فهو علاج القلوب المريضة، والنفوس المضطربة الحائرة، والمجتمعات التائهة، وما حقق أسلافنا السعادة إلا لما ساروا على هدي كتاب الله، ففازوا بخير الدنيا وجنة الآخرة.
كانت العقول والأفكار مقيدة فلم تستطع أن تفهم ما في هذا الكون من الأسرار والحكم، فجاء القرآن محررا لها من القيود، وأعطى للعقل حريته في النظر والتفكير والتأمل في عجائب هذا الكون.
جاء هذا القرآن فيه تبيان كل شيء للناس وبالنظام الشامل لحياة الناس في كل شأن من شؤونهم، بل في كل ما يحتاجون إليه من الغيبيات، وليعلم أنه لا سبيل لمعرفة الغيب والوصول إليه إلا بطريق الوحي.
اليوم الذي تخلى فيه العالم الإسلامي عن دينه تخلت عنه السعادة، وتاهت به الحياة في مجال القلق ومتاهات الحيرة، ومجالات الشك والإضطراب().
يكفيكم أيها المسلمون قوله تبارك وتعالى: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام ديناً﴾.
لقد اختصر لكم نبيكم عليه الصلاة والسلام منهج السعادة بقوله: «عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير، وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خيرا له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له» .
يقول الإمام ابن القيم: “وبالجملة فقد جاءهم رسول الله بخير الدنيا والآخرة بحذافيره ولم يجعل الله بهم حاجة إلى أحد سواه “.
فكيف تطلبون السعادة من غير دينكم وأنت من بعثهم الله رواداً للسعادة في العالم، وما حالكم في بحثكم عن السعادة إلا كعجوز يبحث عن نظارته وفي النهاية يجدها فوق أنفه!!
وما حاجتنا لوصفات السعادة وأسرارها في دورات الوهم الزائفة ونحن رواد السعادة في العالم، ومن أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية.
وفي الختام “أسأل الله الكريم رب العرش العظيم أن يتولاك في الدنيا والآخرة، وأن يجعلك مباركاً أينما كنت، وأن يجعلك ممن إذا أعطي شكر، وإذا ابتلي صبر، وإذا أذنب استغفر، فإن هؤلاء الثلاث عنوان السعادة”.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
(١) أوشو في حديثه عن أسرار التأمل.
(٢) للاستزادة ينظر: خرافة السر، عبدالله العجيري، موقع الفكر العقدي الوافد، د فوز كردي.
(٣) الشاكرات : هي مراكز للطاقة الروحية الكونية توجد في الجسم الطاقي ولها مراكز مماثلة في الجسم تعرف بشبكات الأعصاب. انظر: التطبيقات المعاصرة لفلسفة الاستشفاء الشرقية، د. هيفاء الرشيد (243).
(٤) الريكي (( Reiki)): هو أحد الطرق العلاجية التي تنسب إلى د. ميكاو يوسوي تعتمد على الاعتقاد بوجود الطاقة الكونية وأصولها مستمدة من الفلسفة الشرقية القديمة. انظر: التطبيقات المعاصرة لفلسفة الاستشفاء الشرقية، د. هيفاء الرشيد (297).
المراجع:
-انظر: الريكي للمبتدئين لديفيد فيلنس :30. وطاقة الكون بين يديك لمها نمور:120،من موقع الفكر العقدي الوافد د.فوز كردي
-ميزان العمل للغزالي (221).
-معارج القدس في مدارج معرفة النفس للغزالي (74).
-اقتضاء الصراط المستقيم لابن تيمية (1/542).
-انظر: التخلي عن التقليد والتحلي بالأصل المفيد لعمر العرباوي.
-بدائع الفوائد لابن القيم (3/156).
– القواعد الأربعة للإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب (1).