تحليل لممارسة: المشي على الجمر المتقد

المشاهدات : 830
بسم الله الرحمن الرحيم

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره ونتوب إليه، وأشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا ﷺ عبده ورسوله، وبعد:

إن الناظر لما يحدث في أروقة دورات البرمجة والطاقة وأمثالهما في بلادنا الإسلامية يجد أنها ولجت بعمق.، وفي هذا المقام، فلن نتحدث عن جذور هذا العمل الوثني القديم؛ و لكننا سوف نسلّط الضوء على التصور السليم في طبيعة المشي على الجمر الحار الملتهب. و هذا التصور يكمن في اعتبار قدرة المشي على الجمر المتقد لا يتعدى من كونه مندرجا تحت إحدى الاحتمالات التالية -والله أعلم:

١. قدرة إلهية:

أ‌. معجزة من الله -عز وجل- لأحد أنبيائه.

ب‌. كرامة من الله -عز وجل- لأحد أوليائه الصالحين.

٢.قدرة شيطانية:

أ‌. عقد سحر بين إنسان وشيطان.

ب‌. طرب من قِبل الشياطين وتضليل لبني البشر.

٣. قدرة إنسانية:

أ‌. قوة تحمل و تصبر و جلد و تعوّد.

ب‌. حيلة مصطنعة باستعمال مواد وأحجار ودهانات عازلة و نحوها.

أولاً:

عرف الناس القدرة الإلهية في إمكانية المشي على النار أو الجمر المتقد من خلال الواقع المشاهد عن طريق معجزة يجريها رب العالمين لنبي من أنبيائه أو بكرامة من الله عز وجل لأحد الصالحين. وحدث هذا وذاك في خلال التاريخ كما ذكر ابن عساكر وابن كثير وغيرهما، والله تعالى إذا أراد شيئا وقع و لا مرد له. يقول الله تعالى في ذلك: (إِنَّمَا قَوْلُنَا لِشَيْءٍ إِذَا أَرَدْنَاهُ أَنْ نَقُولَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ) (النحل: 40).

فهذا النبي إبراهيم الخليل عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة وأزكى التسليم أراد له الملك النمرود الهلاك بحرقه بالنار فصيرها رب العالمين بردًا و سلاما عليه، وهذه معجزة عظيمة لأبي الأنبياء إبراهيم عليه السلام. يقول الله تعالى في ذلك: (قَالُوا حَرِّقُوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ فَاعِلِينَ () قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْدًا وَسَلَامًا عَلَى إِبْرَاهِيم) (الأنبياء: ٨٦ – ٦٩).

وكذلك عندما طلب الأسود العنسي لما ادعى النبوة أبا مسلم الخولاني عبداللَّه بن ثوب فقال له‏:‏ أتشهد أني رسول الله؟ قال‏:‏ ما أسمع، قال‏:‏ أتشهد أن محمدًا رسول الله‏؟‏ قال‏:‏ نعم، فأمر بنار فألقى فيها فوجدوه قائمًا يصلي فيها وقد صارت عليه بردًا وسلامًا، وقدم المدينة بعد موت النبي ﷺ فأجلسه عمر بينه وبين أبي بكر الصديق -رضي الله عنهما- وقال‏:‏ ‏«‏الحمد لله الذي لم يمتني حتى أرى من أمة ﷺ من فعل به كما فعل بإبراهيم خليل الله».

فهنا في هذه المعجزة أو الكرامة تغيرت الصفة الطبيعية لهذه النار المتقدة بتصييرها بردًا و سلامًا على النبي أو الولي بقدرة الله العظيمة فلم يصبهما أذى أو حرق، وهذا أمر معجز بحد ذاته خارق للعادة.

ثانيًا:

تحصل القدرة الشيطانية في إمكانية خرق للعادات الكونية في المشي على النار أو الجمر الملتهب كأنه باردًا من خلال عقد واتفاق شركي بين الشيطان وأوليائه بما يُتقرب لهم من القرابين والطقوس الشركية وما شابهها، ويحدث ذلك في إطار قدر الله الكوني. وهذا الأمر كان معروفًا في العصور السابقة و العصور الحاضرة، وخاصة في دول شرق آسيا من خلال عمل ما يُعرف اليوم بالسحر الأسود عند الشامانيين وغيرهم. وتقوم الشياطين خلال هذه الطقوس بحماية الماشين على النار أو الجمر، فيشعرون أنه جمر بارد. وهذا الفعل ناتج عن اتفاق بين الشيطان وعامل السحر لتضليل الناس وإفساد عقائدهم أو لمطامع بشرية.

وكذلك، قد تقوم الشياطين لطربهم الخاص بتضليل و إغواء بني آدم في جعل الجمر الحار باردا من غير شعورهم و علمهم استجابة لعمل الطقوس النارية الخاص بهم، فتفسد عقائد الناس وتختل موازينهم. يقول الله تعالى على لسان إبليس الرجيم المتوعد بني آدم في ذلك: (وَلَأُضِلَّنَّهُمْ وَلَأُمَنِّيَنَّهُمْ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُبَتِّكُنَّ آذَانَ الْأَنْعَامِ وَلَآمُرَنَّهُمْ فَلَيُغَيِّرُنَّ خَلْقَ اللَّهِ وَمَنْ يَتَّخِذِ الشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُبِينًا) (النساء: 119).

وفي كل وضع من هذه الحالتين هنا لا يصاب الماشين على الجمر الملتهب بأذى أو كي أو حرق لحماية الشياطين لهم من خلال عمل الطقوس المؤدية إلى ذلك العمل الخارق للعادة، وذلك ضمن قدر الله الكوني. فبمجرد إتمام عمل وتحضير هذه الطقوس في المشي على الجمر و إطفاء المصابيح تحضر الشياطين؛ استجابة لهذه الطقوس فتعمل عملها سواء علم بها الناس أو لم يعلموا.

ثالثًا:

ويحصل كذلك المشي على الجمر الملتهب من خلال قدرة إنسانية في غير خرق للعادات البتة. و إنما يكون ذلك من خلال التجربة و الممارسة بقوة الإنسان المتصبرة و المتجلدة في فعل ذلك بقدر من الله -عز وجل-. ويحصل من جرّاء ذلك شيء من الحرق والكي والأذى والشعور بلهيب النار والجمر وآثارهما على القدم.

وقد يُتمكن من المشي على الجمر أيضا من خلال عمل حيل مصطنعة لخداع الناس وتصوير الشي على غير الحقيقة لأغراض في نفوس متبنيها وعامليها. وقد يحصل مثل هذا العمل المصطنع من خلال مواد أو دهانات أو طبقات عازلة تمنع من وصول حرارة النار أو الجمر للقدم أو الجسم. ولا يعرف هذه الحيل أثناء عملها إلا أصحابها فيدهنون أنفسهم لإيهام الناس وتصوير الشيء على غير حقيقته. وهذا من الدجل والشعوذة، وقد حصل مثل ذلك في زمن شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله- من قِبل البطائحية في تصويرهم للناس وما يظهرونه من المخاريق فتصدى لهم شيخ الإسلام وأبطل مكرهم وحيلهم.

فقد كانوا يستعملون في ذلك النارنج و دهان الضفادع و حجر الطلق للولوج في النار. فطاب منهم شيخ الإسلام -رحمه الله- أن يدخل معهم بعد غسل أجسامهم بالخل والماء الحار لإبطال مفعول الدهانات العازلة، فرفضوا و أزبدوا وأرعدوا فحجهم شيخ الإسلام وانكشف خبثهم ومكرهم وشعوذتهم على الناس.

وبعد هذا التصور لأمر المشي على النار أو الجمر عامة، نقول:

إن ممارسات وطقوس المشي على النار أو الجمر الحار المتقد المصاحبة لدورات البرمجة اللغوية العصبية أو المستقلة عنها، ولا يشعر الماشون على هذا الجمر عامة وفي غالبهم بلهيبه وشدته وحرارته وأذاه ولا تكتوي أقدامهم، بل على العكس من ذلك يشعرون ببرودة النار أو الجمر، ولا يمكن اعتبار هذه الممارسات معجزة إلهية؛ لأنها خاصة بالأنبياء والرسل ومقصودها التحدي والتأييد و خرق لمجرى العادات الكونية، وقد توقفت بوفاة الرسول ﷺ وختم الرسالات بالإسلام، أو كرامة إلهية؛ لأنها خاصة بأولياء الله الصالحين، أو قدرة إنسانية من خلال قوة التحمل؛ لأن الناس الماشين على الجمر الحار المتقد متفاوتون في درجة القو و التحمل، وأكثرهم من العامة والنساء الضعفاء، ولم يسبق لهم الممارسة والتجربة في المشي على الجمر، أو حيلة مصطنعة باستعمال مواد وأحجار ودهانات عازلة؛ لأن هذا يخص فقط المحتالين على الناس بتصويرهم الشيء على غير الحقيقة. وكذلك فالناس المشاركون لا يعلمون عن الجمر إلا كونه جمرا حارًا متقدًا، ولم يستخدموا أي عازل أثناء مشيهم عليه. وأيضا، شُوهد أناس يمشون على الأخشاب وأنواع الجمر المختلفة والعادية ولم يُصب الماشون عليه بأذى أو حرق أو أثر بالرماد، وهذا يُضعف احتمال كون الجمر المستعمل هو من نوع الجمر الخاص الموصل البطيء للحرارة، أو عملية تأثير وبرمجة إنسانية على الجهاز العصبي بتنويميه إيحائيا؛ لتغيير الإحساس بالألم؛ لأن ذلك لا يكفي في المشي على الجمر الحار المتقد، وإلا لترك آثارا على القدمين نتيجة الحرق والإكتواء. ولكن هذا لا يحدث غالبا، بل على العكس يشعر الماشي على الجمر وكأنه بردًا و سلامًا. وحادثة تقطيع الأيدي من قِبل النسوة مع النبي يوسف عليه السلام دليل على ذلك الأمر عندما خرج عليهن فأكبرنه و قطعن أيديهن من شدة الدهشة وفقدان الشعور والإحساس بالموقف المهيب أثناء رؤيتهن له بعد إعداد مسبق من امرأة العزيز ومكرها ليوسف عليه السلام.

وهذه التصورات والتحليلات السابقة تبقي لنا احتمالين في شأن ممارسات المشي على الجمر المصاحبة لدورات البرمجة اللغوية العصبية أو المنفصلة عنها، وهما:

١- استعمال السحر الشيطاني الشركي من قبل أصحاب ممارسات و طقوس المشي على الجمر؛ لإمكانية خرق العادات الطبيعية في المشي على النار أو الجمر الملتهب والشعور ببرودته.

٢- تدخل الشياطين في جعل الجمر وكأنه باردًا لتضليل الناس وإغوائهم من غير علم وشعور المدربين والمتدربين. وهذا قد يحدث نتيجة استجابة هؤلاء الشياطين لخطوات التحضير المشي على الجمر وعمل طقوسه المعروفة. فتحضر الشياطين وتعمل الخوارق التي أوجدها الله -عز وجل- لهم. ومثل هذا الأمر مشاهد، وخاصة في مناسبات الطرب الشعبي المعروفة حيث يحضر الشيطان نتيجة لطربه بترنيمات معينة تعجبه.

والذي أرجحه هنا -والله أعلم- أن دورات وطقوس المشي على الجمر هي من قبيل إحدى القدرات الشيطانية المذكورة سابقًا، وخاصة إذا علمنا أن طقوس المشي على الجمر هي من ممارسات حركة “النيو ايج”، وأن خلفيات مدربي المشي على الجمر في الغرب “كتولي بيركن” و”أنتوني روبنز” من أصحاب العقائد والممارسات الوثنية من شامانية و”زن” بوذية التي تستعمل السحر الأسود الشركي.

وسواء كان ذلك العمل في المشي على النار أو الجمر من قبيل السحر الشركي أو تحضير الشياطين من خلال عمل الطقوس اللازمة لتحضيرهم في إعداد خطوات المشي على النار أو الجمر؛ فإنه ينبغي التحذير منه أشد التحذير، ومنعه بكافة السبل الممكنة؛ وذلك لما في هذا الأمر من التشبه بالطقوس الوثنية، وتحضير الشياطين، وتصوير الشيء على غير حقيقته، واستغفال الناس وخداعهم. والوسيلة لا تبرر الغاية أبدا!

  والحمد لله رب العالمين

الكاتب: د. عوض بن عودة آل عودة

الأرشيف

تساؤلات حول فوائد ومحاذير البرمجة اللغوية العصبية
أُلفة الودود أم أُلفة الـ”إن إل بي”؟!؟
القائمة