توظيف التفكير الناقد في الفكر الباطني الحديث

المشاهدات : 920

الكاتبة: د. نورة شاكر الشهري

الحمدُ للهِ رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وإمام المرسلين محمد الهادي الأمين، الذي أكمل الله برسالته الدين للناس أجمعين، وشملت دعوته كل أمة، فلم يبق لأحد دون حجته حجة، ولا استقام لعاقل طريق سوى محجته، التي تركنا عليها بيضاء نقية، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، وبعد:


فإن للأفكار والمعتقدات التي تبنتها الباطنية الحديثة مؤثرات عقدية خطيرة، ظهرت عبر العصور، وهي من أقبح العقائد، وأشدها خطورة؛ لاعتمادها على الاستدراج والتلبيس، والغموض والتحريف، فالفكر الباطني لا يحده مكان أو زمان، ولا يفرق بين دين حق وآخر باطل، بل يهدم كل الثوابت والمسلّمات، ويُخضعها للأهواء والخرافات.
ولما للإعلام والكتب المترجمة والدورات التدريبية من أثر في نشر تلك المعتقدات، وتأثر العوام وغيرهم بما يطرح في الساحة ، كان من الأهمية بمكان أن نستخدم التفكير الناقد في هذه المرحلة، لنتعلم كيف نميز الصحيح من السقيم والسنة من البدعة والحق من الباطل ولانقبل مايَردُ لنا إلا بعد إثارة العديد من الأسئلة والبحث وعدم التسليم لكل مايبث في الساحة الإعلامية دون تحرٍ كاف، ومحاولة التحرر من التبعية لحماية العقول من التأثيرات الضارة ومحاولة إكساب الأفراد نظرة عقلية ناقدة.
وبفضل الله تعالى أنه ميّز الإنسان على سائر المخلوقات بالعقل، والعقل هو مركز التفكير، وأياً كانت اللغة أو الوسيلة التي يستعملها الفرد فهي تنتقل إلى العقل ليحلّلها ويفسّرها.
وقد بين القرآن أهمية التفكير في حياة الإنسان، ورفع من قيمة الإنسان الذي يستخدم عقله وتفكيره, وقد حط القرآن من شأن من لا يستخدم عقله وتفكيره بأنه جعله أدنى درجة من الحيوان .
قال تعالى: {إن شر الدواب عند الله الصم البكم الذين لا يعقلون} [الأنفال: 22]ولعلي في هذا المقال أشير إلى أهمية التفكير الناقد في حماية المعتقد ورد الشبهات والخرافات التي رُبطت بالتقدم العلمي والإنفجار المعلوماتي، ومن ثم كيف يمكن توظيف تلك المهارات في تطبيقات الفكر الباطني حتى لا تمرر على العوام بما يلبسونه من شبهات وأسلمة ومحاولة إلباسها ثوب العلمية والثبوتية، ومن ثم التوصل إلى المعلومات الصحيحة ومعرفة الحق بدليله.
فالتعلم والتحري والتثبت من أهم الأصول التي نحتاج إليها مع هذه المتغيرات وظهور هذه التطبيقات الباطنية.
أولاً: مفهوم التفكير الناقد
تعددت التعريفات للتفكير الناقد و لكن يمكن أن تنظمها صيغتان:
التعريف الأول: هو تفكير تأملي معقول يركز على اتخاذ القرار فيما يفكر فيه الفرد أو يؤديه من أجل تطوير تفكيره والسيطرة عليه، وتوصف بالشخصية والذاتية، وهي تركز على الهدف الشخصي من وراء التفكير الناقد.
التعريف الثاني: هو عملية ذهنية يؤديها الفرد عندما يطلب منه الحكم على قضية أو مناقشة موضوع أو إجراء تقويم، وتركز على الجانب الاجتماعي من وراء التفكير الناقد .
فالتفكير الناقد تفكير تأملي مهم قبل إصدار أي قرار وله مهارات تعمل على تنميته وتنظيمه نستعين بها في توظيف التفكير الناقد في تطبيقات الفكر الباطني الحديث بإذن الله.
عوامل تنمية التفكير الناقد (أو مهاراته)
هناك مجموعة من العمليات أو المهارات التي تعمل على تنمية التفكير، وتسمى أحياناً بعمليات العلم لاستخدامها في البحث عن المعرفة وتوليدها وهي :
أولاً: الملاحظة: وتعني أخذ الانطباعات الحسية عن الشيء أو الأشياء المعينة، وعلى المعلمين مساعدة الأفراد في استخدام حواسهم بكفاءة وفاعلية عندما يلاحظون الأشياء.
ثانياً: التصنيف: يستطيع الفرد في مرحلة التفكير الحدسي اختيار الأشياء والأجسام الحقيقية وفقاً لخاصية معينة كاللون أو الشكل أو الحجم.
ثالثاً: القياس: إن التفكير بالخاصيتين من منظور كمي يقودنا إلى قياسها، والقياس يعني المقابلة بين الأشياء.
رابعاً: الاتصال: يعني وضع البيانات أو المعلومات التي يتم الحصول عليها من ملاحظاتنا بشكل ما بحيث يستطيع شخص آخر فهمها.
ويمكن تعليم الأفراد طرق الاتصال،كأن يرسموا صوراً دقيقة، أو أشكالاً، أو خرائط ومخططات مناسبة.
خامساً: التنبؤ (الاستنتاج): إن عملية الاستنتاج عبارة عن عملية تفسير أو استخلاص تنمية ما نلاحظه؛ ويمكن مساعدة الأفراد على الاستنتاج بالطرق التالية:
1- التمييز بين الملاحظات والاستنتاجات.
2- إعطاء الأفراد فرصة لتسجيل البيانات وقراءتها بإمعان.
3- تدريب الأفراد على الملاحظة الجيدة.
4- إتاحة الفرصة أمام الأفراد ، للتنبؤ من بياناتهم .
سادساً: التجريب يعني: “افعل شيئاً معيناً لترى ما يحدث” ففي التجريب يتم تغيير الأشياء أو الأحداث لنتعلم عنها أكثر فأكثر.
سابعاً: وضع الفروض: لإكساب الأفراد مهارة وضع الفروض، يساعدهم المعلم على تكوين الأفكار التي ينجزونها قبل معالجة الأشياء.
ثامناً: ضبط المتغيرات: يعني ضبط المتغيرات تغيير شرط واحد من مجموعة شروط عند إجراء تجربة ما أو دراسة ظاهرة معينة ().
ويمكن توظيف هذه المهارات في حماية العقيدة من اللوثات الفكرية المنحرفة التي تبنتها الباطنية الحديثة في تطبيقاتها وهو ماسنتناوله في الفقرة التالية:
ثانياً: توظيف التفكير الناقد في حماية المعتقد.
نظراً لإنتشار الفكر الباطني الحديث في بعض برامج التدريب التي تهتم بتطوير الذات، وعن طريق الطب البديل، والكتب المترجمة، والإعلام وغيره من التمارين والتأملات الفلسفية،كان لابد من توظيف مهارات التفكير الناقد التي تساهم في بناء الوعي لدى الإنسان، وتساعده على تجنب الوقوع في فخ التضليل الإعلامي، وخلق المناعة العقلية، ورد التطبيقات المخالفة للشريعة الإسلامية ومن ذلك :
أولاً:ــ الدورات التدريبية المخالفة مثل: “دورات البرمجة اللغوية العصبية، أيقظ العملاق، أطلق قواك الخفية، المشي على الجمر، طاقة المكان، الخروج من الجسد ..وغيرها”
فعند الإعلان عن دورة ما نحتاج إلى إثارة مجموعة من الأسئلة والاستفسارات المتعلقة بالدورة مثل:
من هو المدرب؟
وماهي خبراته؟
وما الدورات التي حصل عليها؟
وماهي المراحل العلمية التي ساهمت في تكوين ثقافته؟
ماهو موضوع الدورة ؟ وما مدى حاجتي له؟
والسيرة الذاتية مهمه في هذه المرحله، كون ما سيأتي بعدها يعتمد عليها بشكل كامل.
ولابد هنا من وضع بنود وضوابط أستطيع من خلالها تمييز الدورات، وقد ذكرت الدكتورة هيفاء الرشيد مجموعة من البنود التي يجب على المدرب أن يعتني بها فقالت:
“بعض المدربين المتأثرين بالفكر الباطني الحديث يمررون معتقداتهم عبر التدريب، فيختلط الحق بالباطل، ويلتبس على المتلقي، ويمكن للمتدرب التنبه لبعض الأمور التي تثير الشك في محتوى بعض الدورات التدريبية، أوجزها فيما يلي:
١- طرح المصطلحات المتعلقة بالروحانيات الحديثة أو بالفلسفات الشرقية، كالين يانغ (١)، والطاقة الكونية (٢)، والقوانين الروحانية كقانون الجذب(٣)، والامتنان(٤)، الوعي الكوني(٥)، ونحو ذلك.
٢- الاستشهاد برموز الباطنية الحديثة، كأوشو وديباك شوبرا وإيكهارت تولي وغيرهم.
٣- استخدام النظريات العلمية المعقدة من قبل غير المختصين، كنظريات الفيزياء الكمية.
٤- الاستنتاجات الغيبية الميتافيزيقية من النظريات العلمية دون دلالة صحيحة.
٥- الحديث عن إمكانات غير عادية، كالقدرات الخارقة والمعارف اللامحدودة.
٦- الإشارة إلى معارف سرية، أو علوم باطنية.
٧- ادعاء المعرفة بأمر غائب عن المدعي دون شرح وافي لآلية المعرفة.
٨- الإكثار من الاستشهاد بالنصوص الشرعية في غير مواضعها، وعدم اعتبار المعاني الصحيحة لها.
٩- نقد مصادر المعرفة، وتقديم مصادر مستحدثة للعلوم، كالإلهامات والحدس وكتب الوثنيين.
١٠- تقديم الحلول الفورية للمشاكل المستعصية.
١٢- عدم الاعتناء بثبوت السببية، والاعتماد في إثباتها على مجرد الاقتران أو التجارب الشخصية.
١٣- الحديث عن السلام والمحبة وتقبل “الآخر”، مع طرح فكرة وحدة الأديان أو نسبية الحق ().
فهذه المحاور العامة لمواضيع بعض الدورات المخالفة التي لاتخضع لمعيار علمي وإنما هي اجتهادات تخضع لتجربة المدرب واطلاعة الشخصي، ومافي بعضها من خرفات وأوهام، ومغالطات شرعية وعلمية.
فجمع المعلومات والوقوف عليها مهم، يُمكن الفرد من الخروج باستنتاج يعتمد عليه في أهمية الدورة وسلامتها من أي مخالفات عقدية وأي لوثات فكرية.
ثانياً: الطب البديل المخالف ومنه: ” العلاج بالطاقة، الإبر الصينية، العلاج بالألوان، العلاج بالأحجار، اليوغا، الماكروبيوتك، الأيورفيدا، التأمل التجاوزي….”
وهي من التطبيقات المعاصرة لفلسفة الاستشفاء الشرقية وداخلة فيما يعد التداوي به من الشرك، فهي إما:
* شاملة على الشرك في أصلها، فالتداوي بها شرك من هذا الباب.
* أو هي مما لم يثبت تأثيره قدراً، فالتداوي به شرك من أجل ذلك.

وقد يوجد فيها ما هو من الأمور المباحة الثابت نفعها قدراً، ولكنها قد اختلطت بالنوعين السابقين فغُمرت بما فيها من الباطل.
ومن قال بإمكانية عزلها عن أصولها الفلسفية فهو إما جاهل أو مكابر، فالطاقة التي هي أساس هذه التطبيقات لم تثبت إلا في كتب الفلاسفة ولا وجود لها في العلم الحديث (٦) ولا وسيلة لقياسها أو ضبطها، كما أن المصطلحات التي يستخدمها هؤلاء هي ذاتها المنصوص عليها في الفلسفة الشرقية دون أدنى فرق.


وهنا تزداد حاجتنا إلى تكوين العقلية العلمية الناقدة المستنيرة التي تعمل على مسايرة التطور الصحي، مع التمييز بين الحقيقة والزيف في الأمور العلاجية، وكذلك التخلص من اللوثات الفكرية التي تلازم التداوي بشكل عام والطب البديل بشكل خاص.
ولابد من جمع الأدلة والشواهد بموضوعية للتحقق من مدى صحتها، ومن ثمَّ إصدار حكم بقبولها من عدمه بعد عرضها شرعاً وقدراً، والتأكد من خلوها من أي مخالفات، عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي ﷺ قال: [ما أنزل الله من داء إلا أنزل له شفاء].
فيجوز التداوي بما أباحه الله تعالى من الأدوية التي وردت في السنة النبوية “كالرقية، والعجوة، والعسل وماء زمزم وغيره”، ومما ثبت التداوي فيه بالتجارب العلمية القائمة على أسس المنهج العلمي كالأدوية الطبية.
ولعله يحسن في هذا المقام الإشارة بشكل مجمل إلى ما يمكن عزله عن الفلسفة الأصلية من تطبيقاتها المعاصرة:
الـ (ريكي): فهو قائم كلياً على الاعتقاد بالطاقة الكونية، وليس له أي داعم حسي يمكن أن يستند إليه، ولذلك لا يمكن أن يعزل شيء منه عن الفلسفة الأصلية، وإن كان قد ورد فيه بعض النصائح الأخلاقية العامة كاجتناب الغضب واحترام الوالدين وغيرها.
ومن أهم الاستفسارات التي نحتاج إليها هنا:
هل يجوز تشبيه الريكي بالرقية كما يزعمون؟
هل أخفى الشرع عنا فوائد الريكي لنستبدل الرقية به؟
ولاشك أن شريعتنا كاملة فليس شيء من جوانب الشخصية الإنسانية، وشؤون الحياة إلا شملته الشريعة.
الإبر الصينية: وهي تنتمي إلى إحدى مدرستين: مدرسة شرقية تعتمد على مبادئ الطاقة، ومدرسة غربية تعتمد على مواضع الأعصاب واستثارة الهرمونات المسكنة، ولذلك فإن المدرسة الغربية للإبر الصينية تعتبر من الأسباب الحسية، وإن كان هناك جدل في الأوساط الطبية حول مدى أمانها وفعاليتها.
أما المدرسة الشرقية فمرتبطة بالفلسفة الشرقية وهي التي تحتاج تحري وتثبت وإثارة التسأولات حول أصولها العقدية؟ وهل ثبت نفعها طبياً كعلاج حقيقي؟

الـ (ماكروبايوتِك): وهو نظام غذائي صارم مبني على الفلسفة الشرقية ويعتبر أحد الوسائل المتبعة لتحقيق أهدافها. ومع ذلك فلا يخلو من بعض الإرشادات النافعة في التغذية كعدم الإكثار من الطعام والاهتمام بدفع الأضداد. فهذه يمكن الاستفادة منها وعزلها عن الفلسفة الشرقية، وبالطبع دون ربط بالمصطلحات الشرقية ولا مفاهيمها.
الـ (يوغا): وهي إحدى المدارس الهندوسية، ووسيلة إلى تحقيق الاتحاد عندهم، ولكن ربما وجد فيها بعض التمارين الجسدية مما ليس خاصاً بها(٧)، فهذه يمكن عزلها دون ربطها بالـ (شاكرات) ولا بالـ (ﭘرانا) ولا غيرها.
وهنا سؤال مهم نحتاج إليه في ذلك وهو حكم التشبه بعبادة غير المسلمين؟
فقد بين العلماء أن ما فعله الكفار على سبيل الديانة، فهذا لا يجوز أن نتشبه بهم فيه، أو في شيء منه، سواء انتشر عند المسلمين أو لم ينتشر.
الـ (فونغ شوي): وهو في الجملة خرافات وشركيات، وإن كان قد يوجد فيه بعض النصائح التي يرى بعضهم أن فيها نفعا، كالحرص على تهوية المنزل وتنظيمه (٨).
الـ (أيورڤيدا): هي كالـ (ماكروبايوتِك) بالجملة.
العلاج بالألوان: لم يثبت له ارتباط حسي، وإن كان قد يوجد معه شيء من الأثر النفسي.
الأحجار الكريمة: ليس لها ارتباط حسي بالمرض ولا الشفاء، ولذا لا يمكن عزلها عن الفلسفة التي تقوم عليها.
ونقول هنا لو كانت الأحجار تنفع في الرزق فلماذا يجتهد أصحاب محلات الأحجار في عملهم، طالما أن الحجر الموجود لديهم سيجلب لهم المال والحظ السعيد؟


إن ما سبق من التطبيقات لا يمكن أن تعرض للعامة لينتقوا مما فيها، وإنما يلزم تنقيحها قبل العرض، وهو ما لا أرى من ورائه جدوى ولا طائلاً إلا إضاعة الجهد والوقت في تحصيل أمر حاصل. ولم يشتغل السلف في تنقيح المنطق باعتباره قليل الفائدة كثير العناء وملئياً بالآراء الكفرية المتناقضة مع أصول الإسلام؛ بل قد بدا الانحراف ظاهراً على من شغلوا أنفسهم فيه رغم محاولتهم تنقيته وتنقيحه. وكما اتضح مما سبق، فإن الجوانب التي يمكن عزلها عن الفلسفة الشرقية تعتبر نزراً يسيراً، وليس فيها ما يميزها بعد ذلك ().
والله تعالى يقول : {وإثمهما أكبر من نفعهما} [سورة البقرة: 219] فما في هذه التطبيقات من النفع أقل بكثير من الإثم والكفر الذي اشتملت عليه .
ثالثاً : وسائل الإعلام المقروءة والمرئية والشبكة العالمية «الإنترنت».
وسائل الإعلام المقروءة: انتشرت كثير من الكتب المترجمة الملوثة بالفكر الباطني في العالم العربي والإسلامي، حيث تحمل عناوين برَّاقة، كالسعادة، والنجاح والتميز، وتطوير الذات، وتعظيم النفس البشرية ومنها: ” كتاب السر، قانون الجذب، سلسلة الماكروبيوتيك، الكتب المترجمة في العلوم الإدارية المرتبطة بالفكر الباطني، والكتب المتعلقة بالبرمجة اللغوية العصبية والكتب المتعلقة بالطاقة الحيوية وما ورد في الصحف والمجلات من مقالات متعلقة ببعض التطبيقات الباطنية”
ومن الاستراتيجيات المهمة في تنمية التفكير الناقد التي نحتاج إليها عند الرجوع إلى المصادر المهمة في أي موضوع نبحث عنه: استراتيجية سميث (٩) لتقويم صحة مصادر المعلومات:
يرى “سميث” أن هذا العصر قد كثرت فيه المؤلفات، وازدادت وسائل الإعلام وتطورت سبل الاتصال، وكثر فيه متعاطوا السياسة، اوزدادت الإشاعات والدعايات، والمصادر المروجة للأخبار الصادقة والكاذبة، وأمام هذا الزخم الهائل من المعلومات، فإن الحاجة أصبحت ملحة للحكم على مصداقية هذه المصادر كالصحف والمجلات والأخبار، وهذا لا يتم إلا من خلال التفكير الناقد الذي يميز بين الذين يعتمدون على الخطب وإثارة المشاعر، وبين الذين يعتمدون على الأدلة والبراهين.
وهذه الاستراتيجية تساعد الفرد في الرجوع الى المصادر المعتمدة أو الموثوقة، التي من الممكن أن يقبلها دليلاً أو محكاً عند سماعه لخبر أو حاجته لمعرفة صدق معلومة؛ وذلك لأن هذه الاستراتيجية تركز على صحة الأخبار وصدقها ومصداقية المعلومات، وهذا بدوره يؤدي الى تنمية التفكير الناقد.
ويطرح سميث مجموعة من الأسئلة التي يجب الاستعانة بها عند التأكد من مصدر معلومة ما، أو حتى عند التأكد من صحة المعلومة نفسها وهي كالآتي:
من هو مصدر المعلومة، وهويته، واتجاهاته؟
ما الخلفية الثقافية والتخصصية للمصدر، وما هي سمعته، وانجازته؟
ما هي المعايير المعتمدة للحكم على صحة المصدر وصحة المعلومة؟
ما هدف مصدر المعلومات؟
هل توجد أسباب منطقية تدعونا للشك في مصدر المعلومات؟ ().
وتعد القراءة الناقدة والإبداعية من الأهداف التي تسعى إليها معظم الأنظمة التعليمية في العالم وتسعى لإكسابها للمتعلمين
لترقى بهم إلى درجة الوعي الفكري والإدارك وحل المشكلات ووضع الحلول، وتطوير الإبداع، والتحقق، والتدبر، والتفاعل مع المقروء تفاعلًا إيجابيًا بناءً، وهناك ما يشير إلى أن القراءة هي المدخل الحقيقي لتنمية التفكير في مستوياته العليا.
ولتحقيق ذلك يتم توظيف هذه المهارات لتعزيز الوعي الفكري من خلال التالي:
1ـ ممارسة القراءة المتأملة للنصوص والأخبار:
وتتضمن القراءة المتأملة الناقدة تحديد الأفكار الرئيسية والفرعية، والتمييز بين الحقائق والآراء في الموضوع، وتحديد ما ينبغي التحقق من صحته بالرجوع لمصادر موثوقة قبل التسليم بصحته، والمقارنة بين الإيجابيات والسلبيات، وعرض المقترحات حولها؛كما أن القارئ في محاولاته إعادة صياغة الأفكار، وتقديم آرائه حول مضامين ما يقرأ ينفذ عملية تفكير تستدعي الخبرات المخزونة، وإجراء تفاعلات ملموسة لتوليد أفكار وحلول ربما لا تكون مألوفة أحيانًا، وهو ما يؤدي إلى تطوير القدرة الذهنية لديه، ويزيد من كفاءته في التعامل مع النص حينما تتوافر له فرصة الحوار والمناقشة مع أقرانه في مواقف التعليم الصفية.
2ـ فتح المجال لإثارة وطرح الأسئلة:
الربط – «تعتبر إثارة التساؤلات وتنوع الأسئلة قدرة عقلية هامة تحوي داخلها الكثير من القدرات مثل التي هي في حقيقتها مهارات التفكير الناقد، إذ إن التفكير الناقد يسهم في تكوين نمط»
التحليل – المقارنة الشخصية الذي يتسم بالذكاء في مواجهة مشكلات الحياة المعقدة والاعتماد على النفس وتحري الحقائق.
فلا يصبح الفرد متلقيًا سلبيًا، بل مفكراً يطرح الأسئلة ويفرق بين الرأي والحقيقة، يحلل الأشياء تحليلًا سببيًا وموضوعيًا، ويتوخى الدقة في تحليلاته وتعبيراته اللفظية، ويتعامل مع الموقف المعقد بطريقة منظمة.
3ـ تشجيع عرض الآراء الشخصية ووجهات النظر في المناقشات والحوار:
يسهم ذلك في تحرير الفرد من التبعية للآخرين ويعمل على خلق استقلالية الرأي، فيكون له شخصيته المستقلة التي تعتز برأيها ووجهة نظرها، وتستطيع عرض ذلك بشكل منطقي منظم ومدعم بالحجج والبراهين من مصادر موثوقة، مما يصقل شخصية الفرد ووعيه الفكري، ويجنبه الوقوع ضحية للأكاذيب والأفكار السلبية ().
وسائل الإعلام المرئية والشبكة العالمية «الإنترنت».
لا شك أن هذا العصر هو عصر التقنية والانفتاح الإعلامي، وقد أصبح الإعلام فيه عاملاً مهماً في تشكل الأفكار والتوجهات، بل أن دور الإعلام في تكوين المبادئ والقيم والمفاهيم، يفوق دور الأسرة والمدرسة في بعض الأحيان.
ومن أهم المواد الإعلامية ذات التعلق بفكر الباطنية الحديث وبث تطبيقاته “المقابلات التلفزيونية، المسلسلات، الأفلام، برامج التواصل” وفى ظل هذه التكنولوجيا الحديثة فإن كم المعلومات المتوافرة كبير جداً، وفى تزايد مستمر، وبالتالي يحتاج المشاهدون إلى تعلم كيفية اختيار وتمييز المفيد والصحيح من المعلومات التي يتلقونها عبر هذه القنوات.
وتبرز أهمية التفكير الناقد ومهاراته لدى أفراد المجتمع في أنها تؤدي إلى فهمٍ أكثر عمقًا للمحتوى المعرفي المقدم الذي يتعلمونه ويشاهدونه، ومن الاستراتيجيات المهمة في هذه المرحلة:

ممارسة تقويم صحة المعلومات ومصداقية مصدرها:
من الضروري التركيز على ممارسة المتعلمين فحص المعلومات وتقييمها، والحكم على صحتها، والتساؤل حول المعلومات، وتفسيرها مدعومة بالبحث والتقصي عن الأدلة والبراهين من المصادر الموثوقة.
ويمكن توظيف مجموعة من المهارات لدى الأفراد للتعامل مع وسائل الإعلام بطريقة موضوعية، مما ينمي مهارات المشاهدة الواعية لديه.


إن استخدام هذه المهارات تساهم في بناء الوعي الإعلامي لدى الإنسان، وتساعده على تجنب فخ التضليل الإعلامي، والإثارة الإعلامية.
فممارسة مهارات التحليل والتقويم تساعد المتلقي على فرز المواد الإعلامية بين ما هو “سلبي ورديء”، وماهو “إيجابي ونافع”، وما “بينهما” تساعد المتلقي أن يكون متلقياً إيجابياً، قادراً على انتقاء المضمون الإعلامي وتحليله وتقويمه.
وفي أوقات الأزمات، والأحداث الكبرى حول العالم، تزداد أهمية التفكير الناقد في التعامل مع وسائل الإعلام الورقي والرقمي، وضرورة تفعيل هذه المهارات وتوظيفها لخلق المناعة العقلية لدى الشباب من المؤامرات ودعوات التضليل وإثارة الرأي العام التي يعج بها عالمنا اليوم.


وختاماً: إن التفكير الناقد يؤدي دوراً مهمًا في إحداث النهضة الفكرية والثقافية، وينمي لدى الأفراد طابع الإبداع بعيدًا عن الآلية والتقليد، فإذا لم يتوفر للفرد القدرة على اتخاذ القرار السليم والمناسب، أو إصدار الحكم الصحيح، فإنه يقع فريسة للحلول الخاطئة والإحباط والتسطح في التفكير، ويصبح دوره مقصوراً على تقبل الأوضاع القائمة تقبلًا سلبيًا خاليًا من التبصر أو تقويم الأحداث.
وألزم ما على الإنسان عقيدته وحمايتها من تلك الأفكار الوافدة والتطبيقات المخالفة.

وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

(١) هي الثنائيات المنبثقة من الكلي وهي متناقضة ومتناغمة، ظهرت منها بعد ذلك الموجودات وتنوعت، وهوعقيدة مشابه لنظرية الفيض الفلسفية والتي تؤدي إلى الكفر بالغيب الحق.
(٢) هي إحدى صور عقيدة وحدة الوجود الكفرية.
(٣) أنك إذا فكرت في شيء ما بتركيز فإن هذا الشيء سينجذب لك ، وهذا في معارضة لعقيدة القضاء والقدر والعياذ بالله.

(٤) فلسفة روحانية متفرعة عن قانون الجذب وله ارتباط بفلسفة الطاقة الكونية.
(٥) عند الباطنية هو الوجود الأول والحقيقة المطلقة ويقصدون بذلك الإله.

(٦) عند عزلها عن أصول الفلسفة الشرقية فأنها تعتبر من التمارين الرياضية المباحة.
(٧) والتهوية ليست هي المقصودة في الـ (فونغ شوي)، وإنما المقصود تمرير الطاقات الموجبة والتخلص من تلك السالبة.

(٨) وكل ما يدعيه المروجون للتطبيقات من ثبوتها علمياً هو في الغالب خلط بين الطاقة الكونية الشرقية وبين أنواع من الطاقة الثابتة فيزيائياً. وهذه الطاقات الثابتة لا تحمل الصفات التي تحملها الطاقة الكونية ولا يوجد ما يثبت إمكانية الاستفادة منها فيما يدعيه هؤلاء.

(٩) م سميث (5 يونيو 1723 – 17 يوليو 1790) فيلسوف أخلاقي وعالم اقتصاد اسكتلندي. يُعدّ مؤسس علم الاقتصاد الكلاسيكي ومن رواد الاقتصاد السياسي. انظر : موسوعة ويكيبيديا.

المراجع:

  • – التفكير الناقد مفهومه، معاييره، مكوناته، ومهاراته، منتدى التفكير الناقد . critical-thinking.yoo7.com
    – قناة اسأل البيضاء على التليقرام : رقم : غ / ٢ تاريخ : ٥ / ١١ / ١٤٣٨ هـ ‏https://t.me/ask_albaydha
    – التطبيقات المعاصرة لفلسفة الاستشفاء الشرقية ــ ص/ 420 ـ 426 – ص : 431ـ 433.
    – التفكير الناقد واستراتيجياته المختلفة ، http://nfffs.blogspot.com/2012/05/blog-post_7974.html
    – دور عضو هيئة التدريس في تعزيز الوعي الفكري د. عزيزة الرويس ص: 38ـ 39.

الأرشيف

تزييف الحقائق
عبادة التفكر وطقوس التأمل
القائمة