الكاتبة: عفاف بنت عبدالله العتيبي – ١٤٤٠ هـ
الحمد لله رب العاملين والصلاة والسلام على أشرف النبيين وبعد:
إن الناظر في أحوال الناس اليوم ليرى فريقا لا يُستهان به يسعى إلى إعمال عقله في كل صغيرة وكبيرة مكتفيا بما يقوده عقله إليه، ولاشك أن إعمال العقل أمر مطلوب محمود إذا لم يتجاوز إلى أمور ليس له فيها مجال؛ وهنا يرد سؤال مهم ينبغي أن نتوقف عنده كثيرا، ألا وهو ما الأمور التي ليس للعقل مجال فيها؟
ولا شك أن هذا السؤال مهم ويحتاج إجابة واضحة، والأمر الذي ينبغي أن يقف العقل عنده فلا يتجاوزه الأمور الشرعية التي اختص الله جل وعلا بها.
والذي يجدر الإشارة إليه أن الشرع اعتنى بالعقل وجعله ركنا مهما في التكليف حيث لايقبل الفعل إلا من عاقل وعليه فمن فقد عقله فلاتكليف عليه، عن عائشة رضي الله عنها عن النبي r أنه قال: [رفع القلم عن ثلاث: عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المجنون حتى يعقل أو يفيق]وأيضا نجد أن الله جل وعلا أمر الإنسان بالنظر فيما حوله من المخلوقات، والنظر في خلقه ذاته بل وسع الأمر فأمره أن ينظر في عاقبة المكذبين من الأمم السابقة، وهذا كله لا يتم إلا بواسطة العقل قال تعالى: {قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ ثُمَّ انظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ}
قال تعالى: {أَوَلَمْ يَتَفَكَّرُوا فِي أَنفُسِهِم مَّا خَلَقَ اللَّهُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا إِلَّا بِالْحَقِّ وَأَجَلٍ مُّسَمًّى وَإِنَّ كَثِيرًا مِّنَ النَّاسِ بِلِقَاءِ رَبِّهِمْ لَكَافِرُونَ}.
والمتأمل في القرآن يرى أن أكثر آياته جاءت على وجهين متقابلين:
الوجه الأول: آيات تنعى على أولئك الذين لا يعملون عقولهم التي وهبهم الله إياها، وأنعم بها عليهم؛ فعطلوها عن عملها الذي خلقها الله له، وانقادوا إلى شهواتهم ورغباتهم؛ فأصبحوا كمن لا عقل له؛ بل هم أضل.
الوجه الثاني: ويقابل ذلك النعي على أولئك دعوة مَن استعمل عقله إلى إعماله على الوجه الأمثل حسب إرشاد القرآن الكريم وتوجيهاته، وتوجيه إعماله وتفكيره وتدبره لما فيه الخير والصلاح، وإلا صار وبالًا على صاحبه وعلى مجتمعه.
وهنا يرد سؤال مهم: هل يمكن أن يتعارض العقل مع النقل؟
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله:
“ما جاء عن النبي صلى الله عليه وسلم كله حق يصدق بعضه بعضاً، وهو موافق لفطرة الخلائق، وما جعل فيهم من العقول الصريحة، والقصود الصحيحة، لا يخالف العقل الصريح، ولا القصد الصحيح، ولا الفطرة المستقيمة، ولا النقل الصحيح الثابت عن رسول الله r. وإنما يظن تعارضها: من صدق بباطل من النقول، أو فهم منه ما لم يدل عليه، أو اعتقد شيئاً ظنه من العقليات وهو من الجهليات، أو من الكشوفات وهو من الكسوفات إن كان ذلك معارضاً لمنقول صحيح وإلا عارض بالعقل الصريح، أو الكشف الصحيح، ما يظنه منقولاً عن النبي r، ويكون كذباً عليه، أو ما يظنه لفظاً دالاً على شيء ولا يكون دالا عليه”. فالمؤمنون أبصر الناس بالحقائق الشرعية لجمعهم بين النقل الصحيح والعقل الصريح.
وعلى هذا لابد أن نعلم أن العقل لايمكن أن يستقل استقلالاً تاماً عن الشرع، فإن له مدى لايمكن أن يتجاوزه، ولو حاول أحدٌ أن يجاوز به مداه فهو يوقعه في هلكة لا انفكاك منها وهو بهذا يهينه ولا يكرمه لأنه وضعه في غير موضعه.
ومما سبق نخلص إلى مايلي:
* لايمكن للعقل أن يعلم الغيب استقلالاً.
* لايمكن أن يتعارض عقل صريح مع نقل صحيح.
* أن العقل له مدى لايمكن أن يتجاوزه.
* أن العقل متغير والنقل (الكتاب والسنة الصحيحة) ثابت.
* أن العقل محتاج للنقل ليهديه.
* أن الشرع لم يعطل العقل، ولكنه لم يكلفه مالاطاقة له به كالبحث.
المراجع:
- – مقال مكانة العقل ودوره في الإسلام د/ سمير الأبارة ( موقع الألوكة).
– الرسالة العرشية / ابن تيمية ص 35.