الكاتبة: د. نورة شاكر الشهري ١٤٤٠ هـ
إن جانب التوحيد وصيانة العقيدة والذود عن حياضها؛ أهم ما ينبغي للمسلم الحرص عليه، وحمايته وتحصينه من الأفكار الوافدة والفلسفات المعاصرة التي تسللت إلى عقول بعض المسلمين فأثرت في حياتهم وعقيدتهم وفكرهم، ولعلى أشير في هذا المقال إلى أهم تلك الأخطار العقدية التي يجب على المسلمين الحذر من الوقوع فيها أو التلبس بشبهاتها:
أولاً: تشكيكهم في العقيدة الصحيحة وزعزعة الثقة بها، ونشرهم لكثير من الشُّبهات المنحرفة ومحاولة تمريرها على العوام بطرق ملتوية وأسلمة مخادعة وذلك بمختلف الأسباب والطرق الملتوية الخبيثة، والممارسات الخطيرة كما سيأتي لاحقا في هذا المقال مما يؤدي عياذاً بالله إلى انصراف الناس وعزوفهم عنها، وتعلقهم بقدراتهم وذواتهم.
ثانياً: العزوف عن مصادر التلقي عند المسلمين في العقيدة، بل والتشويه المتعمد للتراث الإسلامي، ووصفه بالجمود والتخلف، والاعتقاد بوجود وسيلة مباشرة لتحصيل العلوم والمعارف مما يسمونه “المصدر” أو “الموجود الأول”، دون الحاجة إلى الوحي، ويدعون إمكان ذلك بالكشف والإلهام، فحرفوا مدلول النصوص الشرعية، ونشروا ثقافة القراءة الجديدة للنص، للوصول إلى التحرر من الأحكام الشرعية، وايجاد بدائل غير الوحي في تلقي المعرفة، وجعل هناك قدوات يتلقون عنهم ويساوونهم بمنزلة النبي.
ثالثاً: تزهيد الناس بمنهج السلف الصالح، ونعتهم بالأوصاف الذميمة، وتصويرهم على أنهم رجعيون، يُحاربون كل مخترعات العلم الحديث النافع.
رابعاً: ضعف الإيمان بالغيب، والايمان بغيبيات خرافية مناقضة للغيبيات الشرعية، وانتشار الكثير من الممارسات التي فيها نوع من الدعاوى الغيبية، والتكهن، والعرافة، كتحليل الخط الذي يسمونه ” الجرافولوجي”، وتشخيص الهالات، والداوزينج، وهذه كلها وغيرها نوع من “التكهن”.
خامساً: إحياء التراث الشرقي والمعتزلي ومبادئ التصوف الفلسفي، وتقريبه للناس في قالب جميل مزخرف، ومسميات تحمل الحب والسلام مما يؤدي إلى تقبل هذا التراث المنحرف في ظل الجهل الذي يخيم على عقول الكثير.
والتصوف الفلسفي يدعو إلى الزهد في الدنيا، والتقلل من متاعها، لتحصيل الإشراق والتنوير، والاعتقاد بوحدة الوجود، والاتحاد بالإله والفناء فيه، فقدسوا رؤوس هذا الضلال كابن عربي والرومي، ونشروا مبادئهم الباطنية، وأفكارهم الفلسفية الخطيرة، التي تهدف إلى إسقاط التكاليف، والعياذ بالله.
سادساً: إفساح المجال أمام التيارات المنحرفة، بدعوى حرية الرأي، والانفتاح على الآخر، والاستفادة من الحضارات الأخرى، ومن ثم التشبه بالأعداء وتقليدهم، وتقبل انحرافاتهم العقدية، وممارساتهم الشركية، بحجة صحة هذه الأديان، إضافة إلى اهتمامهم بنشر ثقافة تقبل الآخر وموالاته وحبه، ولو كان ملحداً، والعمل على إذابة الفوارق بين المسلمين حملة الرسالة الصحيحة، وغيرهم من أصحاب الديانات الباطلة أهل التحريف والتبديل والإلحاد.
وقد وضع الله فوارق بين المؤمنين والكفار في الدنيا والآخرة، ونهى عن التسوية بين الفريقين، وجعل لكلِّ فريق جزاءً وأحكاماً في الدنيا والآخرة، ووضع لكلِّ فريق اسماً مُميّزاً، كالمؤمن والكافر، والبَرِّ والفاجر، فقال سبحانه: (لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا).
سابعاً: محاكاة الشرق والغرب وتقليدهم والتشبه بهم فيما هو من خصائصهم، والتشبه بهم في عبادتهم ورموزهم، وأخذ ما عندهم من حق وباطل دون تمييز.
وهذا الانبهار نتيجة حتمية من نتائج انتشار عقائد الباطنية الحديثة، التي أثرت على عقول وأفكار الكثير من ضعاف النفوس من أبناء المسلمين، بسبب عدم تحصنهم بالثقافة الإسلامية، وعدم اعتزازهم بعقيدتهم الدينية وتاريخهم المجيد، إن الإسلام لا يحرم تعلم ما عند الكفار من الأمر النافعة، والاطلاع على حضارتهم، والانتفاع بما فيها من خير، بل يدعو المسلم للاستفادة منها، دون أن تأسره، أو تستولي على فكره، فيكون تبعاً لهم، يمجدهم ويسير خلفهم دون تمييز بين خير وشر، وقد استفاد المسلمون الأوائل من حضارة الفرس والرومان، دون أن يؤثر ذلك في عقيدتهم وأخلاقهم ومعاملاتهم، فما محيت هويتهم، ولا تلاشت شخصيتهم وعقيدتهم.
أما الباطنية الحديثة فأصولها ترجع للفلسفات والديانات الشرقية، وتظهر في تطبيقاتها آثار تلك الديانات، سواء في المرجعية كالإحالات المتكررة إلى “بوذا” و “لاوتسي” وغيرهما، أوفي الألفاظ والممارسات كاليوغا وهي رياضة هندوسية يراد بها الاتحاد بالإله، أو مصطلحاتهم الفلسفية مثل: الكارما، والمانترا، والشاكرات.
يقول الشيخ ابن عثيمين رحمه الله: إن ما يفعله أعداء الله وأعداؤنا وهم الكفار يتمثل في ثلاثة أقسام:
القسم الأول: عبادات.
القسم الثاني: عادات.
القسم الثالث: صناعات وأعمال.
أما العبادات فمن المعلوم أنه لا يجوز لأي مسلم أن يتشبه بهم في عباداتهم، ومن تشبه بهم في عباداتهم فإنه على خطر عظيم، فقد يكون ذلك مؤديًا إلى كفره وخروجه من الإسلام.
وأما العادات كاللباس وغيره فإنه يحرم أن يتشبه بهم لقول النبي ﷺ : [من تشبّه بقوم فهو منهم].
وأما الصناعات والحرف التي فيها مصالح عامة فلا حرج أن نتعلم مما صنعوه ونستفيد منه، وليس هذا من باب التشبه، ولكنه من باب المشاركة في الأعمال النافعة التي لا يُعدّ من قام بها متشبهًا بهم”(١).
ثامناً: انتشار كثير من الممارسات والتطبيقات المخالفة (٢) مما يتعلق بفلسفة الطاقة الكونية، والقدرات الخارقة، والقوانين المناقضة للقضاء والقدر مثل : قانون الاستحقاق وقانون الجذب ، والاستشفاء بتطبيقات فلسفية الحادية كالطاقة، والريكي….”
وجميع ما يقدمه أهل الباطل من ممارسات وعقائد منحرفة، وما يلبسون به في دعواتهم المضللة، ماهي إلا شبهات يزعمونها حجة، وعقائد باطلة يدعونها علماً، ودعوة فاسدة يزعمون أنها مفيدة ومجربة، لكنها تنكشف وتدحض بما جاء عن الله عز وجل وعن رسوله ﷺ في الكتاب والسنة بفهم السلف الصالح ، مما لا يتسع المقال لبيانه.
وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليمًا كثيرًا.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
1ـ مجموع فتاوى ورسائل فضيلة الشيخ محمد بن صالح العثيمين (3/40).
2 ـ د. هيفاء الرشيد، باطنية العصر الجديد، موقع صيد الفوائد. www.saaid.net