وأسأله عن الشر مخافة أن يدركني (١)

المشاهدات : 1,118

على هذه الصفحات سنطرح أسئلة عن أنواع من الشرور التي قد تتفشى في مجتمعاتنا المسلمة دون أن ينتبه لها كثيرون، بل قد يتقبّلونها ويمارسونها لأن الشيطان قد زيّن ظاهرها بالنفع ولبّس باطلها بالحق.

قدوتنا في هذا النهج الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-، الذي كان يقول: ” كان الناس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير، وأسأله عن الشر مخافة أن يدركني”، ثم نتقصّى إجابة السؤال، وتوضيح حقيقة الشر لتكون النتيجة التعوّذ منه والتحرّز منه، فلا يدركنا.

السؤال الأول مأخوذ من تصريح أستاذ علم الاجتماع  Douglas K Chung.Dr بإحدى جامعات ولاية ميتشغان الأمريكية، يقول فيه: ”كثير من الناس يمارسون “الشي كونغ” و”التاي شي شوان”، والإبر الصينية يومياً دون أن يعرفوا أنهم يمارسون الطاوية“.

  • فما هي الطاوية التي قد نمارسها ونحن لا نعلم؟

الطاوية هي دين الصين القديم، وهي مزيج من فلسفات وتعاليم وتصوّر للكون والحياة، يرى بعض المؤرّخين أنها ليست ديناً، ويفضّلون تسميتها تعاليماً أو فلسفة، وأياً ما كان الأمر فهي حسب مفهومنا الإسلامي للدين “نظام الحياة المتكامل” تمثل ديناً من الأديان.

وهي تعتمد على تصورات وفلسفة خاصة للكون والحياة وعلاقة الإنسان بالكون، نورد فيما يلي ملخّصها:

يعتقد الطاويون أن كل مافي الوجود هو “الطاو”، فهو أصل كل الأشياء، وإليه مردّ كل الأشياء، وأن كل مافي الكون تمثيل للطاو في ثنائية “الين” و”اليانج”، وكل مافي الكون يسعى للموازنة بين قوّتي “الين” و”اليانج” حتى يتحقق التناغم مع “الطاو”.

ويعتقدون أن “الطاو” (Tao) يشمل طاقة كونية حيوية يختلف اسمها من لغة للغة، ومن بلد لبلد، ومن تطبيق لتطبيق، كالصحة والرياضة والتغذية، فيدل عليها اسم “كي” (Ki) المستخدم في تطبيقات “الريكي”، واسم “تشي”)  (Chi- Qiالمستخدم في تطبيقات “تشي كونغ” وغيرها، واسم “الماكرو” (Macro) عند مفكري الماكروبيوتيك، واسم “البرانا” Prana) ( عند الهندوس. و”مانا ” (Mana)  عند ممارسي الهونا.

وينفي الطاويون الأصليون وجود الإله؛ لأن إثبات الإله يقتضي وجود نقيضه حسب مفهوم الثنائية المطلوبة لتوازن الكون، إلا أنهم لايبالون باعتبار بعض أتباع الديانات السماوية لمفهوم”الطاو” على أنه قريب لمفهوم الإله.

ويزعمون أن كل إنسان يحتاج أن يتناغم مع “الطاو” بأي اسم كان، ويتم له ذلك عن طريق تدفيق طاقته الحيوية في جسمه، فتتناغم طاقته الروحية مع هذه الطاقة، فيتحقق أقصى مطلوبه في الحياة وهو الحياة بلا أمراض والخلاص من التناسخ بعد الموت. ويتحقق ذلك في أكمل صوره  بالانتباه للدّور الذي تلعبه القوى الثنائية المتناقضة في الكون، والمكوّنة من ما يسمى “الين” و”اليانج”. فـ “الين” يمثل القمر والأنوثة والسكون والبرودة، و”اليانج ” يمثل الشمس والذكورة والحركة والحرارة. ويمثل “الطاو” التوازن المثالي بين هاتين القوتين والتكامل بين النقيضين الذكر والأنثى، والموجب والسالب. وتسري هذه الثنائية في كل شيء؛ فجلد الإنسان يغلب عليه “اليانج” وداخله “ين” وهكذا كل أعضاءه الداخلية خارجها يغلب عليه “اليانج” وداخلها “ين”، وكذلك الأغذية وسائر الموجودات يغلب عليها إما “الين” أو “اليانج”.

وتتم تغييرات قوى “الين” و”اليانج” في الكون من خلال العناصر (الأطوار، القوى، مجالات الطاقة) الخمسة: الخشب والنار والأرض والمعدن والماء. فكل ما يحدث في الكون يمكن ربطه بالتوازن بين “الين” و”اليانج” أو بالعناصر الخمسة التي تعمل على شكل حلقة متكاملة، كل عنصر يخلق عنصراً ويدمر آخر  فيما بينها لإيجاد توازن “الين” و”اليانج”.

ويزعمون أنه كلما حرص الإنسان على توازن “الين” و”اليانج” في تغذيته وفي سائر أمور حياته، كان في صحة وسعادة وقوة وحيوية قد تصل به لأن يتحد بـ “الطاو” أو يتناغم معه، وتسري طاقته الحيوية في جسده.

كما زعموا أن الصينيين القدماء قد اهتموا بهذه الطاقة الحيوية، واكتشفوا جهاز الطاقة في الإنسان، واستخدموا فلسفة الطاقة في طبّهم ورياضتهم وغذائهم، فعاشوا الحياة كما ينبغي أن تعاش!!!

  • ومن هنا، فسؤال الموضوع التالي: ماهو جهاز الطاقة في الإنسان؟ وكيف يعمل؟

هذه هي الطاوية، إنها فلسفة بديلة لعقيدة الألوهية الصحيحة النقية التي يدل عليها كل عقل صحيح، ويدعو لها كل نقل صحيح. إنها الفلسفة التي وصل لها قدماء بسطاء من الصين والهند والتبت، لم يكن لهم سند من عقل أو نقل فضلّوا -ويدعون في هذا العصر بالحكماء علماء الأكوان- ولكن كيف يستهدي بهذه الفلسفة الضالة من وصله الحق المطلق من الحق سبحانه وتعالى؟

قد يعتقدها نصارى ويهود لم يجدوا في دينهم المحرف مزيد فضل عليها، ولكن هل يعتقدها من تركهم نبيهم على المحجّة البيضاء ولم يترك من خير إلا ودلّهم عليه ولا شر إلا وحذرهم منه؟؟

لا أعتقد أبداً أنهم يستبدلون بهذا الأدنى ذلك الخير الذي اصطفاهم به الله.. ولكنهم قد يمارسون تطبيقاتها جهلاً أوحمقاً. عن يحيى بنِ جَعْدَةَ، قالَ: أُتِيَ النبيُّ ﷺ بكتِفٍ فيهِ كِتابٌ فقال: (كفى بقومٍ ضَلالاً أنْ يَرْغَبُوا عمّا جاءَ بِهِ نَبِيُّهُمْ إلى ما جاءَ بِهِ نبيٌّ غَيْرُ نَبِيِّهِمْ أو كتابٌ غيرُ كتابِهِمْ فَأنْزَلَ اللَّهُ -عزَّ وَجَلَّ-: {أَوَلَمْ يَكْفِهِمْ أَنَّآ أَنزَلْنَا عَلَيْكَ الْكِتَابَ يُتْلَى عَلَيْهِمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لَرَحْمَةً وَذِكْرَى لِقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ}. فكيف لو رأى اشتغال الناس عما جاءهم به إلى فلسفات البسطاء، وتخرّصات الجهلاء؟!

هذا شعار الديانة الطاوية الذي يرمز لقوتي “الين” و”اليانج” فاحذره بعد أن عرفت حقيقة هذه الفلسفة الإلحادية، وتذكر «من تَشَبَّه بقومٍ فهو منهم». واسأل مقلب القلوب أن يثبت قلبك على دينه.

يتبع إن شاء الله…

ـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتبته: د. فوز كردي.

سلسلة مقالة: وأسأله عن الشر مخافة أن يدركني (١) من (٥)

الأرشيف

السر وقانون الجذب …ضلالة قديمة تتجدد
“وأسأله عن الشر مخافة أن يدركني” (٢)
القائمة