وقفة موضوعية مع البرمجة اللغوية العصبية

المشاهدات : 932
إن سلسلة المحاضرات والدورات التي تحذر من “الفكر العقدي الوافد” وتبين منهجية التعامل معه تتحدث عن الوافدات الفكرية عموماً وتطبيقاتها في الصحة والرياضة من منظور علمي وعقائدي واجتماعي، والحديث فيها أصالة عن ما يسمى بـ”الطاقة” وتطبيقاتها ويتبعه حديث موجوالبرمجة اللغوية العصبية على ما بدا حتى الآن -بعد دراسة وتقص- ليست من الفكر الذي أصله عقدي كما في الماكروبيوتيك والريكي والتشي كونغ وسائر تطبيقات الطاقة إلا أنها البوابة لكل هذه الأفكار من وجه، ومن وجه آخر فقد داخلتها -في بعض تطبيقاتها- لوثات مختلفة من أديان الشرق، ثم إنها تقود في مستوياتها المتقدمة -ما بعد مستوى المدرب- إلى مزيج من الشعوذة والسحر فيما يسمى بالهونا والشامانية التي هي أديان الوثنية الجديدة في الغرب.

وفيما يلي وقفة موضوعية مع البرمجة اللغوية العصبية تحدده ثلاثة محاور، الأول: يتضمن وقفة مع المنهج العلمي ، والثاني: وقفة مع الآثار الاجتماعية، أما الأخير فيشكل وقفة من منظور العقيدة الإسلامية.
 Scientific Method وقفة مع المنهج العلمي:

لابد من هذه الوقفة مع المنهج العلمي للنظر في تقييم الوافدات المتوشحة بلباس العلم لتكون النظرة التقويمية لها صحيحة مؤصلة. حيث يتميز المنهج العلمي بدقته وموضوعيته. ويقصد بالمنهج العلمي تلك الإجراءات التي أجمع العلماء على استخدامها عبر العصور؛ لتكوين تشكيل أو تمثيل صحيح لما يجري من وقائع وظواهر في العالم.

وحيث إن القناعات الشخصية، والقناعات الجماعية تؤثر على انطباعاتنا، وعلى تفسيرنا أو ترجمتنا للظواهر الطبيعية، فإن استخدام إجراءات معيارية قياسية منهجية يهدف للتقليل من هذا التأثير عند تطوير نظرية ما.

ومن المعلوم أن مراحل المنهج العلمي في الدراسات الكونية والإنسانية والاجتماعية تبدأ بالمشاهدات والملاحظات للظواهر، ثم تصاغ على أساسها الفرضيات، ثم إذا ثبتت بتجارب صحيحة وكانت لنتائجها مصداقية إحصائية تصبح نظرية، وإلا رُفضت الفرضية أو عدلت ، ثم تمر النظرية أيضاً بتجارب وتختبر نتائجها لتكون حقيقة أو تقف عند حدود النظرية أو تلغى. والمنهج العلمي يؤكد على ضرورة الأخطاء الإحصائية عند ذكر النتائج واعتمادها ،وهذه يمكن توقعها أو قياسها ومن ثم تضاف للنتيجة ويتم تعديلها.كما ينبه على الأخطاء النابعة من الرغبة الشخصية، أو تأثير النتيجة المأمولة Wishfull thinking حيث يفضل الباحث نتيجة على أخرى، و(الزلل التراجعي) Regressive fallacy الذي يكون مجرد ربط من الباحث بين الملاحظة وشيء مقترن بها دون أن يكون بينهما علاقة سوى الاقتران. أما أسوأ الأخطاء على الإطلاق أن تكون الاختبارات عاجزة عن إثبات الفرضية، ويدعي الباحث إثبات الفرضية بها، ويغض الطرف عن نتائج الاختبارات التي لا تتناسب مع الفرضية التي يرغب في إثباتها.

كما أنه من الأخطاء الكبيرة عدم إجراء التجارب (عدم وضع الفرضية تحت الاختبار)، وبالتالي الخروج بنظرية من المشاهدات اعتماداً على المنطق البسيط والإحساس العام (الانطباع).

وليست الوقفة مع المنهج العلمي في تقويم هذه الوافدات من قبيل التكلف والتعسف كما يدعي البعض فالإسلام يدعونا إلى المنهجية العلمية بدعواته المتنوعة للتأمل والتفكر والعلم والتعقل والتذكر ، وقد وضع العلماء المسلمين أصول المنهج العلمي الصحيحة سواء فيما يتعلق بالنقل أو العقل ، إذ لم تكن الدعاوى تقبل لمجرد التدليل عليها بنصوص الوحيين أو أدلة العقل دون تحقيق وتدقيق ، فالتحقيق : إثبات المسألة بدليلها ، والتدقيق : فحص وجه الدلالة من الدليل ومدى مناسبته للمسألة (الدعوى) وكان شعارهم : إذا كنت ناقلا فالصحة ( توثيق النص ) أو مدعياً فالدليل ، وكانوا رواداً في التمييز بين الحقائق والدعاوى ، وأخذ الحق ورد الباطل مهما مزج بينهما المبطلون ولبّسوا ..

وبالنظر للبرمجة اللغوية العصبية في ضوء هذه الوقفة مع المنهج العلمي نجدها تفتقر إليه في عمومها وأغلب تفصيلاتها، وربما لهذا لم تلق ترحيباً في الأوساط العلمية في معظم دول العالم ولاقت رواجاً حيث تكون سطحية التفكير والرغبة في الجديد والرغبة في الوصفات السريعة. وتفصيل نقدها من الناحية العلمية يمكن تلخيصه فيما يلي:

·       كثير من المشاهدات التي بنيت عليها فرضيات الـNLP  ليس لها مصداقية إحصائية تجعلها فرضيات مقبولة علمياً.

·       تعامل الفرضيات وتطبق ويدرب عليها الناس على أنها حقائق رغم أنها لا ترقى لمستوى النظرية.

·       نظرياتها مقتبسة من مراقبة بعض الظواهر على المرضى النفسيين الذين يبحثون عن العلاج. ثم عممت على الأصحاء الذين يبحثون عن التميز.

·       أكثر روادها من القادرين على دفع رسومها: الباحثين عن الحلول السريعة Quik fix بدلا  عن العمل Hard Work

وأنا هنا أقدم تقيمين اتبعا منهجاً علمياً في نقدهم للبرمجة : الأول هو التقويم المقدم للجيش الأمريكي من الأكاديميات القومية ففي عام 1987م بعد انتشار دورات تطوير القدرات رغب الجيش الأمريكي في تحري الأمر فقام معهد بحوث الجيش الأمريكي The US Army Research Institute بتمويل أبحاث تحت مظلة “تحسين الأداء البشري” على أن تقوم بها الأكاديميات القومية National Academies US التي تتكون من كل من الأكاديميات القومية للعلوم والهندسة والطب والبحث العلمي. وتعتبر هذه الأكاديميات بمثابة مستشارة الأمة الأمريكية، وقد تكونت من هذه الأكاديميات مفوضية العلوم الاجتماعية والسلوكية والتعليم، ثم تم تكوين فريق علمي كان اختيار أعضائه على أساس ضمان كفاءات خاصة وضمان توازن مناسب، وعُهد لمجموعات مختلفة بمراجعة البحوث حسب الإجراءات المعتمدة لدى أكاديميات البحوث الأربع. قدم الفريق ثلاث تقارير:

الأول: في عام 1988م، الثاني في عام 1991م ، الثالث في عام 1994م وقد قدم التقرير الأول تقويماً للعديد من الموضوعات والنظريات والتقنيات منها البرمجة اللغوية العصبية الذي ذكر عنها ما نصه: ” أن اللجنة وجدت أنه ليس هناك شواهد علمية لدعم الادعاء بأن الـNLP استراتيجية فعالة للتأثير على الآخرين ، وليس هناك تقويم للـNLP كنموذج لأداء الخبير” .

واستمر البحث والتحري في مجال “تحسين الأداء البشري” وبعد ثلاث سنوات يشيد التقرير الثاني بنتائج التقرير الأول والقرارات التي اتخذها الجيش الأمريكي بخصوص عدد من التقنيات السلبية ومنها الـ NLP حيث أوصى بإيقاف بعضها ، وتهميش بعضها ، ومنع انتشار البعض الآخر.

وبعد ثلاث سنوات أخرى اكتفي التقرير الثالث -نصاً- في موضوع البرمجة اللغوية العصبية بما قُدم في التقريرين الأول والثاني.

والثاني: صاحبه الدكتور” روبرت كارول” أستاذ الفلسفة والتفكير الناقد بكلية ساكرمنتوا  الذي قال: (رغم أني لا أشك أن أعداداً من الناس قد استفادوا من جلسات الـ (NLP)، إلا أن هناك العديد من الافتراضات الخاطئة أو الافتراضات التي عليها تساؤلات حول القاعدة التي بنيت عليها الـ(NLP). فقناعاتهم عن اللاواعي والتنويم والتأثير على الناس بمخاطبة عقولهم شبه الواعية لاأساس له.كل الأدلة العلمية الموجودة عن هذه الأشياء تُظهر أن ادعاءات الـ (NLP) غير صحيحة). فبرغم تراجع الجيش الأمريكي عنها بعد تجربتها، وعدم إيمان كثير من الشركات بها، وعدم الاعتراف بها كعلم في الجامعات ولا كعلاج في المستشفيات يقبل عليها جماهير المفتونين من المسلمين (راجع في ذلك مقالة منشورة في مجلة النيويورك تايمز في عددها الصادر 29 سبتمبر 1986م في مقالة بعنوان ” المبادئ الروحية تجتذب سلالة جديدة من الملتزمين”).

فهذه هي شهادة بعض أهلها فيها، وهذه نتائج تحريات جهات من أفضل الجهات العلمية، وفي بلد من أبرز البلاد تقدماً في منهجيات البحث والتحري. وصدق ابن القيم عندما قال معلقاً متعجباً بعد ذكره للأحاديث والآثار المحذرة من التشوف لما في كتب أهل الكتاب من أدبيات أو فوائد وأخلاقيات فقال: “فكيف لو رأى اشتغال الناس بزبد أفكارهم وزبالة أذهانهم عن القرآن والحديث” ووالله ما أشد العجب، وما أعظم الخطب، ولكنها سنة كونية في هذه الأمة مهما ابتغت العزة بغير دين الله أذلها الله فهاهي تقتات فتات موائد اللئام ليس في البرمجة وحسب، بل في كل ما يتبقى ويثبت عزوف عقلاء الغرب عنه فقد اعتمدت مقررات الرياضيات الحديثة للتدريس في المدارس الابتدائية في بداية السبعينات الميلادية بعد أن ألغت الدول الاسكندنافية تدريسها في الستينات الميلادية!؟ وها نحن نفتح المدارس العالمية القائمة على التعليم المختلط في حين خطب الرئيس الأمريكي أمته محذراً من عواقب التعليم المختلط واعداً بالدعم للمدارس التي تتبنى الفصل بين الجنسين!

ومن العجيب أنه على الرغم من عدم ثبوت فرضيات الـNLP، إلا أنها تعقد الدورات للتدريب عليها وكأنها حقائق ثابتة بتجارب مستفيضة! وليس في واقع العامة فقط وإنما في واقع أساتذة الجامعات والدعاة، ومن المضحك المبكي أن ينادي المفتونات من التربويات بتقريرها مقرراً في التعليم، واعتبارها بنداً مهماً في بنود تقييم الكفاءة! مما أعتقد أنه لم يكن يخطر لمؤلفيها أنفسهم على بال.

ثانياً: وقفة مع الآثار الاجتماعية للـNLP:

أشاع انتشار الدورات في البلاد فوضى عارمة كما صرح بذلك كثير من التربويين والمسؤولين الذين يبذلون جهوداً حثيثة لإيقاف هذه الفوضى فقد سرّبت الـNLP إلى أيدي عامة الناس ومنهم طلبة دون سن النضج بعض تقنيات التنويم والعلاج بالإيحاء وغيره من الأدوات الخاصة بالأطباء والمرشدين النفسانيين الذين يؤهلون تأهيلا علمياً وافياً قبل أن يعتمدوا كمرشدين أو أطباء نفسانيين من الجهات الرقابية المسؤولة . وقد تحول نتيجة لانتشارها السريع عدد من المرضى النفسانيين بعد عدد من الدورات إلى مرشدين نفسيين واجتماعيين! وهم الذين كانوا ومازالوا فاشلين في دراستهم ، ومنهم فاشلين في حياتهم الأسرية والوظيفية إلا أنهم حققوا نجاحاً منقطع النظير في التدريب والمعالجة بتقنيات الـ NLP! كما أن كثيراً منهم في الطريق إلى تحقيق ثروة هائلة حيث تنتشر دوراتهم دون أن يتكلفوا هم مسؤوليات إنشاء المؤسسة أو المركز ، ويكثر الإقبال على معالجاتهم بعيداً عن العيادات المرخصة؟!

ومن وجه آخر فإن للـNLP نظاماً تسويقياً متميزاً يعتمد على التسويق متعدد المستويات ، وهو أسلوب متميز ناجح لبيع الدورات التدريبية. إلا أنه يجب أن يكون واضحاً أن حقيقة ما تبيعه الـNLP للمتلهفين على دوراتها هو الوهم “الأمل” بالصحة للمريض، والوهم “الأمل” بالتميز للأصحاء، وقد يكون هذا نافعاً للبعض يمنحهم قدرة على التفاؤل ومن ثم العمل إلا أنه يجب أن تكون حقيقة المبيع واضحة وإلا كان بيع غرر.  وتبقى نقطة أخيرة في هذه الوقفة الاجتماعية فثمة أمر خطير نتج عن هذا الوافد الغريب “البرمجة اللغوية العصبية ” في مجتمعنا وهو أثر أخلاقي نتج عن كثرة اختلاط الرجال بالنساء وإن كان بفاصل مكاني حيث طبيعة التدريب ومادته تتطلب التواصل ودوام التفقد، وطبيعة المعالجة النفسية والاجتماعية تتطلب ألفة واندماج ومصارحات أدت في حالات كثيرة إلى مفاسد لا ينكرها إلا مكابر.

كما أن تدريباتها التي بنيت على مرضى ثم أطردت على الأصحاء قد تسبب على المدى البعيد وربما القريب إغراق مرضي في أحلام اليقظة في أوساط الناضجين لا المراهقين فقط، كما أنها  أشاعت جواً يساعد على الجرأة في ممارسة استرخاءات جماعية وفردية إن ثبت لها فائدة فهي لا ينبغي أن تكون إلا في الخلوات، كما أنها نشرت بدعوتها لترديد عبارات القوة والقدرة  وتعليقها في الغرف جواً من الذاتية والتعالي لا يقبل إلا من مرضى، ولكم أن تتأملوا هذه المواقف التدريبية لتحكموا بأنفسكم (يقف المدرب الذي يظهر عبر الشاشة حافي القدمين يسير كهيئة الحصان طالباً من المتدربات -مشرفات تربويات ومديرات مدارس ووكيلات ومعلمات- أن يخلعن الأحذية ويمارس التدريب وهن يرددن: أنا قوية .. أنا قوية .. متخيلات أنفسهن في قوة الحصان ورشاقته) وفي دورة أخرى (يظهر المدرب على الشاشة وهو راكع رافع يديه إلى الأعلى كأنها جناحين يرفرف بها طالباً من جمهور المشرفات والمعلمات أن يفعلن ذلك فإذا بهن جميعاً راكعات يرفرفن بأيديهن إلى الأعلى متخيلات أنفسهن في خفة الحمامة تاركات همومهن وضغوط العمل خلفهن محلقات في عالم من أحلام اليقظة قد يصلح لمعالجة المرضى النفسانيين لا لأهل التربية والتعليم..) وفي ثالثة يطلب من الجميع أن يسترخوا وهم يتخيلون أجسادهم نافورة تخرج مشكلاتهم من داخل أنفسهم إلى الخارج وما هي إلا نصف ساعة حتى تنتهي المشكلات !! ولولا أن المقام يضيق عن ذكر المزيد لذكرت مقتطفات أخرى تجعل الحليم حيران مما يجري تحت شعار التدريب ورفع الكفاءات ! ومما يقدم من مسوخ العلم!

وقد ظهر في المجتمع المسلم من جراء البرمجة وأخواتها من ينادي بالسفر خارج الجسد OBE، ومن يزعم أنه اعتمر وهو في فراشه ، مما جعل أحد  الأطباء النفسانيين يقول: أننا ربما نسمع في القريب أن “مرض انفصام الشخصية” حالية مثالية، ويتصدى للتدريب عليها أهلها الذين هم المرضى وهم الأطباء؟! ولا نعلم ماذا تخبئ الأيام إن لم يتدارك المسؤولون هذا الأمر الخطير، ويتفطن لأبعاده المفتونون.

ثالثاً: وقفة مع البرمجة اللغوية العصبية من منظور شرعي عقائدي:

فمن المعلوم الثابت عقلا ونقلا أنه كما قال ابن تيمية -رحمه الله-: (من شأن الجسد إذا كان جائعاً فأخذ من طعام حاجته استغنى عن طعام آخر، حتى لا يأكله إن أكل منه إلا بكراهة وتجشم، وربما ضره أكله، أو لم ينتفع به، ولم يكن هو المغذي له الذي يقيم بدنه، فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته، قلت رغبته في المشروع وانتفاعه به، بقدر ما اعتاض من غيره بخلاف من صرف نهمته وهمته إلى المشروع؛ فإنه تعظم محبته له ومنفعته به، ويتم دينه، ويكمل إسلامه) وإن لم يكن من شر وراء البرمجة اللغوية العصبية إلا الاستعاضة بغير المشروع عن المشروع لكفاها شراً ، فإننا والله بخير ما فتئنا نعالج بأدوية الكتاب والسنة أدواء أبداننا -مع جواز التداوي بالأسباب الدنيوية شرط أن تكون أسباباً حقيقية، ولا تكون مما حُرم علينا- ويظل العلاج الأوحد لأرواحنا وفكرنا ماكان من الكتاب والسنة، فمازلنا نوقظ بهديهما قلوبنا ،ونفعّل بهما طاقاتنا وطاقات من نربي، وما زلنا نغترف من معينهما الصافي وصفات التآلف والتواصل والقدرة على التأثير وغيره مستهدين بِسِيَر السلف، مستروحين عظيم الأجر في الاتباع.

وثمة أمر آخر خطير وهو أن رواد هذا العلم الغربيين -إن صح تسميته علماً- هم دعاة الوثنية الجديدة (الهونا _ الشامانية) التي تدعو أولا إلى تفعيل القوى الكامنة عن طريق الإيحاء، والتنويم لتمام القدرة على التغيير من خلال التعامل مع اللاواعي وتنتهي بالاستعانة بأرواح الأسلاف -بزعمهم- والسحر وتأثيرات الأفلاك، وإن كان ذلك ربما يسمى قوى النفس والقوى الكونية عند المدربين من غير المسلمين الذين ليس لهم أثارة من علم النبوات الصحيح عن العوالم الغيبية وليس لهم محجة بيضاء ينطلقون منها.

فالبرمجة اللغوية هي الخطوة الأولى في طريق دورات الطاقة وما يتبعها من استشفاءات شركية بخصائص مزعومة للأحجار والأشكال الهندسية والأهرام ورياضات استمداد الطاقة الكونية “الإلهية” المزعومة، ومن ثم فإن سلم بعض الداخلين في البرمجة من آثارها السلبية على الفكر والمعتقد إلا أنهم فتحوا الطريق لغيرهم ممن سيتبع خطاهم إلى طريق لا يعلم منتهاه إلا الله وصدق ابن عباس -رضي الله عنهما- إذ قال: “من أخذ رأياً ليس في كتاب الله ولم تمض به سنة رسول الله ؛لم يدر على ما هو منته إذا لقي الله” وحيثما تغيب المنهجية العلمية، ويضعف التقدير لكنوز النقل تتفشى السطحية وتظهر التبعية ويكثر الدجل ولقد رأينا في هذه الدورات عجباً فهذا يخلل دورته التدريبية بما أسماه “إشراقات” أولها في مهارة الاستفادة من أشعة لا إله إلا الله، والثانية في مهارة استغلال طاقة الأسماء الحسنى! وآخر يزعم أنه يعلم ويدرب على تلك المهارة في الحفظ مثل التي كانت عند الإمام الشافعي ويخرّج من دورات القراءة الضوئية قادرين على حفظ القرآن في ثلاثة أيام!

وفي الختام فإن من له أدنى بصيرة ليرى بكل وضوح واقع الإسفاف الفكري ، والضرر النفسي والاجتماعي ناهيك عن المتعلقات العقدية المتنوعة باختلاف المدارس والمدربين ؛ فيقف ملتاعاً مرتاعاً من العواقب الوخيمة التي تنتظر السائرين في هذا الطريق، الذي روّاده في الغرب سحرة ومشعوذين راحوا يقتحمون عالم الغيب بعقولهم القاصرة، وبإعانة شياطينهم. ثم راحوا يروجون لما وصلوا له من كشوف بمعارف سقيمة ظانين أن ما حصّلوه من قوى إنما هو من عند أنفسهم وباكتشاف قدراتهم الكامنة شأنهم في ذلك شأن باطنية الفلاسفة الذين قال عنهم شيخ الإسلام: (باطنية الفلاسفة يفسرون الملائكة والشياطين بقوى النفس… وانتهى قولهم إلى وحدة الوجود فإنهم دخلوا من هذا الباب حتى خرجوا من كل عقل ودين) .

ومن هنا فإنني أذكر العقلاء من هذه الأمة أننا نعيش فتناً كقطع الليل المظلم تجعل الحليم حيران، مما يتطلب تحرياً دقيقاً بعيداً عن تدليس المفتونين بهذه الوافدات ولو كانوا أهل صلاح ودعوة . أو صمتاً منجياً من بين يدي الله عز وجل.

فالطريق وعرة خطرة أولها مستويات أربعة للبرمجة اللغوية العصبية قد لا يظهر فيها ذلك الأمر الخطير (خصوصاً إذا كان المدرب حريصاً على أسلمتها)، ولكن بعد أن تألفها النفوس وتأخذ منها نهمتها تكون النهاية مروّعة فقد تكون خروجاً من كل عقل ودين كما حدث للفلاسفة القدامى أو بعضهم عبر مستويات دورات “الهونا” و”الشامانية” التدريبية. ومما ينبغي التنبه له أن هذه الأفكار الوافدة لا يظهر خطرها منذ البداية كسائر البدع قال أحد السلف: ” لو كان صاحب البدعة إذا جلست إليه يحدثك ببدعته حذرته وفررت منه ولكن يحدثك بأحاديث السنة في بدو مجلسه، ثم يدخل عليك ببدعته فلعلها تلزم قلبك. فمتى تخرج من قلبك؟”. ثم إن تقنيات هذه الأفكار مدروسة بعناية كسائر تقنيات “النيو إيج” -العصر الجديد- الذين يشكلون طائفة ذات أثر ودين جديد في الغرب لا يهتم أصحابه بما يوجد أو يتبقى في أذهان أتباعهم من أفكار الديانات السماوية وغيرها، إنما يهتمون بما يضاف إليه من أفكار حيث يثقون أن منهجهم الجديد والزمن كفيلان بترسيخ المفاهيم الجديدة وتلاشي المفاهيم القديمة.

هذا وقد اختلفت أقوال بعض أهل العلم بشأن البرمجة الغوية العصبية ما بين تحريم وجواز بينما توقف الكثيرون، ومن المعلوم أن  الحكم عن الشيء فرع عن تصوره ولابد من تصور كامل لا تصور مجتزء- ومن المعلوم أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح، لذا أدعو أهل العلم إلى دراسة متأنية في ضوء أبواب سد الذرائع وأحكام التعامل مع السحرة، ووجوب تحرير الولاء والبراء ، وحكم العلم الذي سيؤخذ مختلطاً بمسألة استحضار الأرواح والسحر وهي عند المدرب الكافر (إيقاظ قوى النفس وتفعيل الطاقات الكامنة)، وغيرها من المسائل والأصول التي نود أن يراجع القائلين بجوازها ما أبدوه من رأي خشية أن يزل عالَم بزلة عالِم.

وللعلم فإن رسوم دورة إعداد المدربين 2003م للشخص الواحد 35 ألف ريال للمدرب الأمريكي في مصر، و20 ألف ريال للمدرب البريطاني في الخليج يدفعها إخواننا وأخواتنا عن طواعية لرؤوس الحرب على الإسلام فيما هم يعلقون منشورات الدعوة لمقاطعة البيبسي!

لذا أوجهها دعوة في الختام لابد من التوقف للتبصر والتأمل في حقائق هذه الوافدات التي تتزيا بزي العلم، وتتشح بوشاح النفع والفائدة، فقد كان الوقوف منهجاً متبعاً عند أخيار الأمة -رضوان الله عليهم- على امتداد التاريخ وبخاصة عندما تشتد المحن، وتدلهم الفتن، وتختلط الأمور، ويشتبه الحق بالباطل… عندها تشتد الحاجة إلى الوقوف… لطلب العون من الله ولاستبصار حقائق الأمور، وتبين طريق الحق… واللسان يلهج داعياً بقلب مخبت متضرع: “اللهم أرنا الحق حقاً وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلا وارزقنا اجتنابه”، “ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب”، ” اللهم يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك”. حتى لا يكون رائد الرأي والحركة والتوجه الهوى لا الحق، يقول الحسن البصري: “رحم الله امرأً وقف عند همه فإن كان لله أمضاه وإن كان لغيره توقف”.

لابد أن نتذكر من نحن في تيار الحياة الصاخب وماهي حضارتنا في ميزان الحضارات، فواقعنا يحكي قصة حزينة.. تختلط فيها الدموع بالدماء على هزائم مادية أُنهكت فيها قوانا، وضُرب اقتصادنا وشُتت شملنا ، ومُزقت أجسادنا، و انتُهكت أعراضنا، وهدمت مساجدنا، وإن وقف الأمر عند حدود ضياع دنيانا… فلا والله لسنا طلاب دنيا… وسنظل شُمّ الأنوف مابقي لنا اعتزازنا بانتمائنا واستمساكنا بالذي أُوحي إلى نبينا.

أما أن تهزم نفسياتنا، وتتزعزع ثقتنا بمنهجنا، وننظر بتشوّف إلى عدونا؛ مستلهمين نهجه، متتبعين خطاه، مقلدين سلوكه فهذه والله الهزيمة، وهذه هي المصيبة، كيف ارتفع الأقزام إلى مقام القدوة فأصبح المهتدون يتسابقون للاقتداء بالمغضوب عليهم والضالين.

فالتفكير على الطريقة المادية النفعية.

والتغذية على الطريقة الماكروبيوتيكية.. ولابد فيها من وصفة “الميزو”الذهبية.

والتأمل والتفكر على الطريقة البوذية.. لابد منها لتحقيق الأخوة الإنسانية.

والصحة واللياقة على الطريقة الطاوية.. وفلسفات الشنتوية.

والتفاؤل والإيجابية على طريقة أهل البرمجة اللغوية..لابد منها لتكوني قادرة وقوية.

عجباً ألم يأتنا بها الحبيب ﷺ بيضاء نقية.

فلنعش حياتنا على هدى الإسلام، ممتنون للملك العلام، مقتفون خطى خير الأنام، مستغنون بنعمة الله علينا بإكمال الدين وتمام النعمة عن فتات موائد اللئام. ووالله لن نكون -ونحن مستمسكون بهذا المنهج- بحاجة إلى وصفات غربية وفلسفات شرقية ووجبات ماكروبيوتيكية، ودعاوى الطاقة الكونية، ولا إلى استرخاء أهل البرمجة العصبية.

فوالله إنهم لا يملكون مثل ماعندنا من المنهجية، وليس لديهم ما عندنا من الخطوات الإيجابية التي تقود برحمة الله إلى السعادة الأبدية، قال شيخ الإسلام -رحمه الله-: من أراد السعادة الأبدية فليلزم عتبة العبودية. وعندها سنكون حقاً قد أخذنا بأسباب الهداية إلى طريق المهتدين مجتنبين طريق المغضوب عليهم والضالين، متميزين عن أصحاب الجحيم في منهجنا وطريقنا في دنيانا وأخرانا فقد قالﷺ: ‏هل تدرون؟ ما أنتم في الناس إلا ‏‏كالشامة ‏‏في صدر البعير.

ومن هنا فإنني أوجز رأيي في البرمجة اللغوية العصبية في جملة واحدة هي “لا للـ ” NLP ” ونعم للإرشاد النفسي الاجتماعي الصحيح”.

وأؤكد أنه رأي ارتأيته بعيداً عن إطلاق أحكام شرعية بالجواز أو الحرمة فللفتوى أهلها ، وإنما هو رأي مبني على دراسة مستفيضة لأصول هذا الفن ونهاياته، فبعض نظريات الإرشاد النفسي هي الجزء الصحيح في هذا الفن، وليست من نتاجه. وهي النفع الذي أغرى بريقه المخدوعين به الذين تعبوا في محاولة أسلمته. مع أنهم يملكون ماهو شامل لمنافعه، بعيد عن لوثاته من كنوز ما ثبت بالعقل والنقل. ولا يعني هذا رفض لكل ما يأتينا من وافدات، ولكنه رفض لكل مالا يعد حكمة بحال، ومايفتقر إلى الإثبات من العقل الصريح ويصرف عن الاستمساك بما ثبت بالنقل الصحيح.

كاتبته: فوز بنت عبداللطيف كردي – نشر في ملحق الرسالة الأسبوعي مع جريدة المدينة على جزأين:

الأول في الجمعة / 27 / 4 / 1424هـ والثاني في الجمعة / 11 /5/ 1424هـ.

الأرشيف

وقفة مع “الثقة بالنفس”
هذه هي البرمجة اللغوية العصبية يا طلاب الحقيقة
القائمة