أشك أننا تلك الأمة التي اختلطت دموعها بدمائها، وأنهكتها الجراحات، وأحل الكفر بساحاتها ضيماً يطول عليه النحيب.. فقد تخلفنا كثيراً في جوانب الحياة المادية.. وأهملنا كثيراً في تدعيم قوتنا العتادية… إلا أننا يجب ألا ننسى – في خضم هذه الهزائم المادية
يجب أن لاننسى أننا المخاطبين بقوله تعالى: {وأنتم الأعلون}، وأننا المقصودين ببيان المصطفى «ما أنتم بين الناس إلا كالشامة».
يجب أن لاننسى درس الفاروق -رضي الله عنه-: “نحن قوم أعزنا الله بالإسلام ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله” فاعتزازنا بالدين يحقق الأمل المنشود، ونحن إن عرفنا من نحن فوق هامات المجد…
نحن أصحاب رسالة ماطرق العالم شريعة أكمل منها، وقاعدة الكمال فيها مطردة في جميع جوانبها قال ابن القيم مبيناً استغناء الأمة بما جاء به الرسول عن كل ما سواه: “وبالجملة فقد جاءهم بخير الدنيا والآخرة برمته ، ولم يحوجهم الله إلى أحد سواه”، فنحن أصحاب أكمل رسالة، وأشمل منهج للحياة، وأننا في غنى عن كل من سوانا وكل من سوانا محتاج لما عندنا، فما ترك نبينا خيراً إلا ودلنا عليه ولا شراً إلا وحذرنا منه فجزاه الله عنا بخير ما جزى نبياً عن أمته.
يجب أن لا ننسى أننا -إن تمسكنا بالذي أوحي إلى نبينا- فلن نضل أبدًا، وسيتحقق منتهى مرادنا الذي نسأل الله ليل نهار أي يمن به علينا مبتهلين في كل ركعات صلاتنا: {اهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين}
يجب أن لا ننسى من نحن ..فنحن أفراد في ركب شريف عزيز على الله -عز وجل-، يتقدمه محمد ﷺ والنبيين عليهم أفضل الصلوات وأتم التسليم، ركب يسير فيه أبوبكر وعمر والعشرة المبشرين، ركب فيه خديجة وعائشة وسائر أمهات المؤمنين ، ومن رجاله ابن المسيب والبصري، وفيه ابن تيمية وابن القيم، ومن جملتهم المودودي وابن عبد الوهاب -رضي الله عنهم- أجمعين وغيرهم من الصالحين على امتداد التاريخ.
ونحن -إن صدقنا وما بدلنا- معهم -بإذن الله- سائرين نسمع مواعظ الحبيب ، وكلمات الناصحين وتسبيح المسبحين بما يحرك في القلب المحبة، ويوقظ من الغفلة، ويُنهض من الكسل، ويحذّر من الفتنة، ويخوّف من البدعة ، ويُعظم الأنس والشوق والرغبة.
يجب أن لا ننسى من نحن، حتى لا نفقد هويتنا.. متأثرين بواقعنا الأليم.. يجب أن لا ننسى حتى تقل مظاهر التبعية التي تعدت العامة وبسطاء الناس، وألقت بظلالها المخيفة على أوساط المثقفين وطلبة العلم والتربويين.. فبعض الأفكار والقيم داخلتها اللوثات المادية النفعية الغربية أو تلك الفلسفات الروحية الشرقية.
وطريقة الملبس والزينة أصبح نموذجها ما تقرره بيوت الأزياء العالمية وإن كان يتسم بالصفاقة والإباحية. ولبلوغ كمال الأناقة لا بد من إظهار أنها من ماركة أجنبية.
والتغذية والحمية أصبح مصدرها الآيروفيدا الهندية، أو الفلسفة الماكروبيوتيكية التي تدعو لتجنب العسل واللبن، وجميع المنتجات الحيوانية، وإن كان يحبها خير البرية.
أما الطب والصحة فتجدها -بزعمهم- في طاقة الأحجار والأهرامات، وفي أسرار الأشكال الهندسية.
والرياضة واللياقة والقوة أنفعها تلك المأخوذة من الديانات الصينية وتحت دعاوى استمداد الطاقة الكونية. ولن تصبح مميزاً فيها مالم تتلقاها في المعابد الوثنية على أيدي النساك وأصحاب اللمسة العلاجية! أما عن أفضل منهج للحياة بتفاؤل وإيجابية، والتواصل مع النفس ومع البيئة الخارجية فهذا لا يوجد بكفاءة إلا عند أهل البرمجة اللغوية العصبية!
ولتميز أكثر خلل كلامك بكلمات أوربية، والحن في لغتك العربية بلكنة أعجمية. واذكر أسماء أساتذتك ومدربيك من المدارس الغربية الأمريكية أو البريطانية، أوالمدارس الشرقية الصينية واليابانية.
ومن المعلوم أنه كما قال الإمام ابن تيمية: (من شأن الجسد إذا كان جائعاً فأخذ من طعام حاجته استغنى عن طعام آخر، حتى لا يأكله إن أكل منه إلا بكراهة وتجشم، وربما ضره أكله، أو لم ينتفع به، ولم يكن هو المغذي له الذي يقيم بدنه، فالعبد إذا أخذ من غير الأعمال المشروعة بعض حاجته، قلت رغبته في المشروع وانتفاعه به، بقدر ما اعتاض من غيره بخلاف من صرف نهمته وهمته إلى المشروع؛ فإنه تعظم محبته له ومنفعته به، ويتم دينه، ويكمل إسلامه). فلما أقبل الناس على هذه الأفكار وازدحموا في دوراتها التدريبية، وتناقلوا أخبار وصفاتها العلاجية… انتشرت صور جديدة من صور التبعية.. وظهرت بصورة محزنة جماهير في طريقها لفقدان الهوية، فلا تميز ولا تفاضل بين سائر البشرية، فالدين واحد تحت مظلة الأخوة الإنسانية… حتى قرأنا في أحد الصحف المحلية أن المدرب الكافر يؤدي الصلاة مع المسلمين بالثياب العربية في مشاركة وجدانية وألفة إنلباوية أثناء تقديمه لدورة البرمجة اللغوية العصبية!
أين أتباع خير البرية؟ وأين الطريقة المحمدية؟ في الصحة والسعادة والإيجابية؟ غُيبت! أو أهملت! أو استخدمت على استحياء للتدليل على صحة المذاهب الروحية، والتدريبات الفلسفية تحت شعار أسلمة العلوم الدنيوية! فصار منهج الهدى الرباني تابعاً لمناهج الحكماء الصينية! والله إنها لمصيبة ورزية.
يجب أن لاننسى أننا أمة إسلامية.. ولنا مناهجنا المحمدية حتى لا نفقد هويتنا.. وحتى لا تميّع عقيدتنا.. وحتى لا تزعزع ثوابتنا، ولابد أن ننتبه فالغزو الفكري العقدي يتلون كل يوم بلون ويتدثر كل يوم بدثار، وهو اليوم قد اتخذ من التطبيقات الحياتية والدورات التدريبية والاستشفاءات العلاجية غطاء ولباس، ولا منجى من ما يدسه من اللوثات الاعتقادية مع ما يقدمه من منافع دنيوية إلا بالاستمساك بحبل رب البرية: “أبشروا فإن هذا القرآن حبل الله المتين ” فلنستمسك به، ولنتشبث بمنهجه، ولنستهدي بهداه، ولنستشفي بأدويته.
لنقبل عليه بقلوبنا قراءة وتدبراً وفهماً وتطبيقاً واتباعاً عندها سنسعد بصحة أبداننا وقلوبنا وأرواحنا وسنستغني بمائدته عن فتات موائد اللئام.
ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ
كتبته: د. فوز كردي.
|