السر وقانون الجذب …ضلالة قديمة تتجدد

المشاهدات : 1,969

نظرة تاريخية….

مصطلح “السر” ظهر كاسم لفيلم وكتاب تضمنا إعادة طرح عقيدة الدهرية  أو وحدة الوجود (Panthiesm) التي سبق نشرها بنفس الأفكار والمضمون منذ مئة عام، في (1906م) خلال كتاب “ذبذبات الفكر: أو قانون الجذب في عالم الفكر” للمؤلف : ويليم واكر أتكنسون (Thought Vibration or the Law of Attraction in the Thought World by William Walker Atkinson) وقد أعيدت طباعة هذا الكتاب مع انتاج فيلم “السر” في عام 2006م، وكذا تزامن معه إصدار ألبوم ” قانون الجذب” للكاتب الكويتي صلاح الراشد .

وتذكر منتجة الفيلم أن الذي أوحى لها بإنتاج هذا الفيلم هو كتاب “علم الوصول للغنى” للمؤلف والاس واتلز (The Science of Getting Rich by Wallace D. Wattles) الذي نشر عام 1910م الذي قرأته وتأثرت به واعتقدت بفلسفته .

وقد تم عرض فيلم “السر” أولا بشكل مختصر باستخدام تقنية Vividas خلال الإنترنت في مارس 2006م/ صفر 1427هـ ، ثم تلاه عرض نسخة مطولة في أكتوبر 2006م/ رمضان 1427هـ على شكل DVD ، ثم عرض تلفيزيونياً في الغرب في فبراير 2007م/ محرم 1428هـ.

ومؤخراً أحدث ضجة إعلامية جماهيرية بعد أن عرضته “أوبرا وينفري” (Oprah Winfrey) في حلقتين في مارس 2007م ضمن برنامجها  الذائع الصيت مما سوّقه في العالم العربي، وتم بثه تباعاً بعد ذلك في العديد من الفضائيات ومنها العربية بترجمة مكتوبة. كما عرض في العديد من البرامج الحوارية الأخرى ذات الانتشار العالمي مثل (Larry King, Amy Poehler from Saturday Night Live) مما أحدث له دعاية كبرى عند العامة المتلقفين لكل جديد والمتأثرين سريعاً بقوة الإيحاءات، لاسيما وقد تم تسويق الفكرة بطريقة متقدمة وناجحة على شكل تحميل مدفوع من الانترنت ومبيعات لـDVD والكتاب المصاحب.

 وفيلم “السر” هذا مقدم في قالب وثائقي يعرض سلسلة من اللقاءات والمواقف الدرامية المفتعلة موحياً بمصداقية العرض وحياديته ويباع على أنه أدوات لمساعدة النفس (Self-Help) . وتعرض المنتجة للفيلم “روندا بايرن” (Rhonda Byrne) التي يظهر اسمها أيضاً على غلاف الكتاب بصوتها اقتباسات ونقولات لمن تسميهم “معلمو السر القدماء”  ” past secret teachers”!!

ماهو “السر”؟ وماهي حقيقته؟

“السر”(The Secret) أو “قانون الجذب”  (Law of Attraction) كما يعرض في الفيلم هو الإيمان بأن المشاعر والأفكار تجذب الوقائع والأحداث الحقيقية في هذا العالم إلى حياتنا سواء كانت أحداث كبرى في الكون والأفلاك أو وقائع التفاعل بين الناس في شؤونهم الجسدية والعاطفية والمهنية.

  • دعاية وترويج: 

يكرر الفيلم فكرة أن الأشخاص النافذين والمؤثرين والقادة في الماضي نجحوا بسبب اكتشافهم لهذا السر وأنهم كانوا يحرصون على إبقاء هذه العلم مخفياً وبعيداً عن العامة، وأن صانعي هذا (الفيلم والكتاب) هم الوحيدون في التاريخ الذين رغبوا وحرصوا على كشف هذا السر ليستفيد منه كل الناس.

 ولاشك أن هذا الطرح يولد في النفس الرغبة والتطلع لمعرفة ما يخبؤه هذا العلم، ويحفز الإنسان العامي لكشف السر واللحاق بركب المتفوقين والناجحين! ولكن الحقيقة أن هذه الأفكار كلها منشورة ومعلنة منذ نشوئها وقد أثبتت فشلها ومجها العقلاء وصنفوها من الأفكار الزائفة والتخرصات النفس-روحانية، وما ادعى النجاح بها أحد إلا من رواد هذه الفلسفة وعرابيها أو من أرادوا التجارة بها .

وقد سئل “جو فيتال” (Joe Vitale) -أحد الذين أبرزهم الفيلم على أنه أحد الناجحين المؤثرين المستفيدين من هذا السر- أثناء لقاء له على الهواء في برنامج “لاري كينج” Larry King في 8 مارس 2007م (أين الإله في كل هذا ؟) -أي في موضوع/فيلم/كتاب السر- فكان جوابه: (كلنا الإله، الإله هو السر، وكل شيء عن السر هو الإله، هذا قانون من الإله).

  •  ادعاء وحقيقة:

يزعم مروجو  “قانون الجذب” ( Law of Attraction ) أنه قانون كوني يُمكِّن الإنسان من اجتذاب كل ما يريده من الحياة  (الصحة، السعادة، الثروة، الحب..) إلى نفسه. وأن هذا القانون يعتمد على الاعتقاد بأن التركيز على شيء ما يبعث إليه ذبذبات من طاقة الإنسان، ومن ثم فهو الذي يحصل عليه بغض النظر عن إرادته له، ولذلك يتم التدريب على كيفية التركيز على ما يريده الإنسان من لتتوجه إليه (الطاقة/الذبذبات) -المزعومة- فتجذبه!

وهو أمر لا يعدو كونه عند علماء الفيزياء والطاقة خرافة وفلسفة. فليس له دليل علمي يدعمه بل يتعارض مع الحقائق العلمية. وهو من الناحية الشرعية مبني على عقيدة ملحدة لا تؤمن بالله الخالق الرازق المدبر الحكيم وإنما تؤمن بعالم غيبي مطيع ساذج؛ يقول “Micheal J. Losier” مؤلف كتاب The Law of Attraction موضحًا هذه الفلسفة: “ إن الكون ليس ذكيًا ولكنه مطيع، فهو لا يميز إن كانت الذبذبات التي ترسلها نافعة لك أو مضرة  ، أو إن كنت تريد الأمر أو لا ، أو إذا كان نافعا لصحتك أو مضرا لها  ، إنه مطيع  ، ولذلك سمي القانون”.

 وبناءً على هذا القول الفاسد يكون الله -للمؤمنين به- الذين يحاولون أسلمة هذا القانون المزعوم ليس سوى وسيلة ذهنية يحصل الإنسان به على ما يريد، ليس له إرادة ولا اختيار  ولا حكمة يعطي على أساسها ويمنع – تعالى الله عن هذا القول وتقدس !وفحقيقة هذا السر المزعوم أو قانون الجذب أنه ترجمة عملية لعقيدة وحدة الوجود التي هي أصل الفلسفة الشرقية ، وتطبيق جديد لضلالات القدرية نفاة القدر.

قانون السر أفرز أمراضًا نفسية ومجتمعية:

تحمّل هذه العقيدة الإنسان المسؤولية الكاملة عن ما يحدث له، فهو مسؤول عن كل ما يعانيه في الحاضر، فالمرض والمصائب هي أمور فكّر بها يوما ولو بقلق وخوف فجذبها الكون إليه  مما يوقعه في أزمات نفسية وقلق دائم.

كما تُحمّله كذلك مسؤولية كل ما سيحصل له في المستقبل! وتزعم أن فكره هو  ما يحدد مستقبله وما سيحدث فيه! وتدعوه أن يملأ فكره ونفسه بالثروة والغنى والصحة والنجاح ولا يلتفت لغير هذا ولو بدون رغبة فإن تفكيره في الفقر أو المرض والمصائب سيجذبها له رغما عنه!

ومن وجه آخرفقانون الجذب” يدعو إلى تركيز الإنسان على نفسه، ورغباته وهواه والتي غالباً تقوده إلى الجشع المادي وتحقيق الرغبات الدنيوية بأنانية، لذا حذّر الراصدون لآثار تطبيق هذا القانون على الطوائف الممارسة له في الغرب من آثار مجتمعية سيئة حيث يصبح ممارسوه  لا همّ لهم إلا التفكير في مصالحهم وعدم الاهتمام باحتياجات بل وبحقوق الآخرين. 

كما أنه يؤدي إلى الهروب من الواقع بعامة وخاصة عند المصيبة فيلعب الشخص عند المصيبة دور الضحية ويتهم في كل شيء قدرته على إرسال ذبذبات قوية بدلا من أن يتهم نفسه بالكسل وسوء الأداء وعدم التخطيط، وفي صورة أخرى يؤدي للغرور بالنفس وظن أن ما يتحقق من فرص إنما هو أولا وآخرا بمهاراته وطاقته! فلا يخلو أن يكون بين مرضين: اكتئاب أو غرور.

أصل الفكرة: 

التعظيم لأثر فكر الإنسان على كل شيء راجع للاعتقاد  الفلسفي بأن عقل الإنسان هو فيض عن العقل الفعال (الإله) ويمكن أن يتصل به، فالإنسان ليس سوى تجسدًا  للإله.

ولذلك نجد في كثير من التطبيقات الاستشفائية للفلسفة الشرقية القائمة على هذا المعتقد تركز على الاعتماد على الذات في استجلاب العافية والشفاء وتحصيل كل مرغوب! ومنتجي فكرةالسرومسوقيها ومتبنيها الأصليين هم أفراد من الحركات المتبنية للفكر الباطني في الغرب: حركة “النيو إييج New Age”، وحركة “النيو ثوت” “New Thought” التي دأبت على تقديم العقائد الشرقية للناس عبر تطبيقات معاصرة تدعي أنها نظام  حياتي يعمل على مستوى للجسد والعقل والروح، ويقود الإنسان للنجاح والتفوق بصرف النظر عن إمكاناته وانتماءاته، فالمهم فقط هو تعميق الاعتقاد بألوهية الإنسان وقدراته غير المتناهية وتدريبه على الاستغناء عما سواه.

هذا هو أصل هذا القانون النكد وهذه نتائجه، وإن فتن ممارسوه ببعض آثار يحصلونها فهم في الحقيقة يسيرون بعيدا عن الاعتقاد الحق والمنهج المرضي عند الله.

فشتان بين العمل بجد والسعي بتفاؤل مع دعاء وتضرع وثقة وحسن ظن بمن بيده ملكوت كل شيء، الغني القادر السميع المجيب المانع المعطي….. وبين ضلالات تأليه الإنسان وجذبه لأقداره وتحكمه التام في مستقبله.  

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتبته: د. فوز كردي.

الأرشيف

قصة التدريب
وأسأله عن الشر مخافة أن يدركني (١)
القائمة