“وأسأله عن السر مخافة أن يدركني” (٤)

المشاهدات : 1,067

تعرّفنا في المقالات السابقة على جوانب من الشرور التي قد تتفشى في مجتمعاتنا المسلمة دون أن ينتبه لها كثيرون، بل قد يتقبّلونها ويمارسونها لأن الشيطان قد زيّن ظاهرها بالنفع ولبّس باطلها بالحق. 

قدوتنا في هذا النهج الصحابي الجليل حذيفة بن اليمان -رضي الله عنه-، الذي كان يقول: ”كان الناس يسألون رسول الله ﷺ عن الخير، وأسأله عن الشر مخافة أن يدركني“.

ثم نتقصّى إجابة السؤال، وتوضيح حقيقة الشر لتكون النتيجة التعوّذ منه والتحرّز منه، فلا يدركنا.

 

  • في الحلقات السابقة أجبنا عن ثلاثة أسئلة: 

س١: ماهي أسس الديانة الطاوية التي يمارسها كثير من الناس دون أن يدركوا أنهم يمارسون الطاوية؟ 

س٢: ماهو جهاز الطاقة في الإنسان الذي يدعي وجوده الصينيون (الطاويون) ومن تبعهم من مروجي تطبيقاتهم الصحية والرياضية والروحية، ماهي حقيقته؟ وكيف يعمل؟

س٣: ماهي حقيقة الجسم الأثيري الذي يزعم الصينيون وجوده؟ وما رأي العلم الصحيح في فكرة الأثير؟ وهل أثبت الصينيون والهنود وأتباعهم مزاعمهم في وجوده؟

علمنا من خلال إجابات الأسئلة السابقة أن فكرة الجسم الأثيري فكرة الديانة الطاوية وغيرها من أديان الشرق، وهي قديمة قالوا بها منذ ما يقارب ٥٠٠ سنة قبل الميلاد، عندما كانت وسائل المعرفة متواضعة جداً، والعقول أقل تفتحاً، عندها فكر بعض من يسمون (الحكماء) في الكون والحياة، وتوصلوا إلى فكرة الكل الواحد وانبثاق الكون عنه بشكل ثنائيات “الين واليانج”. كما أنهم أرادوا فهم لغز الحياة، وكيف يمكن الخلاص فيها من الشر والمرض والشهوات؟ وليس لهم أثارة من علم النبوات، فكانت نتيجة تفكيرهم ادعاء ما أسموه بـ “قوة طاقة الحياة”!! وتبع ذلك ادعاءهم بوجود الجسم الأثيري، وجهاز الطاقة.

  • وفي هذه الحلقة سنجيب عن سؤال:
ماهي التطبيقات المتعلقة بإثبات الجسم الأثيري، والشكرات، والطاقة؟ وكيف دخلت إلى بلاد المسلمين؟ 

اتخذت هذه العقائد والفلسفات -في بلاد المسلمين- طريقين للوصول إلى الناس، بعيدة الصلة ظاهراً عن الفكر والعقيدة.

  • الطريق الأول: طريق التوعية العامة للمجتمع عن طريق الدورات التثقيفية والتدريبية عبر مراكز التدريب المتنوعة، والجمعيات المتخصصة أو المتعاونة؛ كخطوة اجتماعية في طريق الصحة والسعادة والوقاية من أمراض العصر البدنية والنفسية، وخطوة لتفعيل القدرات واكتشاف الطاقات.  
  • أما الطريق الثاني: طريق العلاج في عيادات خاصة، أو في البيوت، أو عبر مجمعات الطب البديل وتركز غالباً على الأمراض المنتشرة بين الناس والتي لم يشتهر نجاح العلاج الطبي المعروف لها أو أن علاجها الطبي طويل المدة وله آثار جانبية أو مالية مرهقة للمريض، منها على سبيل المثال: الربو، والسمنة والسرطان والسكر، وكثير من المشكلات النفسية كالشعور بالخوف، الشعور بالإحباط والفشل ونحو ذلك. 
وهذه الدورات لها مستويات متعددة، ولها توابع وفنون في تجدد مستمر، وكلها تعتمد فلسفة وجود قوتي “الين واليانج”، وقوة طاقة الحياة، وجهاز الطاقة في الجسم الأثيري. من هذه الدورات -على سبيل المثال لا الحصر-:

– دورات الريكيوهي ثقافة وفلسفة وأخلاقيات، خلاصتها تمارين وتدريبات لفتح منافذ الاتصال بالطاقة الكونية “كي” وتعلم طريقة تدفيقها في الجسم ممايزيد قوة الجسم وحيويته ويعطي قوة إبراء معالجة -بزعمهم-.

– دورات التشي كونغوهي ثقافة صحية تعتمد فلسفة الطاقة الكونية وتدرب على تمارين وتدريبات للمحافظة على طاقة “التشي” في الجسم والمحافظة عليها قوية ومتوازنة وسلسة في مساراتها؛ مايزيد مناعة الجسم ومقاومته للأمراض – بزعمهم -.

– دورات التنفستمارين في التنفس العميق، تنفس بكيفية خاصة مع ترنيمات خاصة وتأملات لضمان دخول طاقة “التشي”و”البرانا” إلى داخل الجسم “البطن”، وهو مهارة لازمة لتمارين الفروع الأخرى من الرياضات لأنه يساعد للدخول في مرحلة الاسترخاء الكامل.

– دورات الاسترخاء: وتعتمد التنفس والتأمل مع الإيحاء الذاتي لعلاج الأرق والاكتئاب وغيره أو للسعادة والوصول للنشوة والنرفانا “التناغم مع الطاقة الكونية.

– دورات البرمجة اللغوية العصبيةمزيج من تقنيات متنوعة لتنمية مهارات الاتصال والقدرة على المحاكاة للتميز وتعتمد التدريب على الاسترخاء والقدرة على التعامل مع العقل اللاواعي. وفي بعض المستويات المتقدمة عند بعض مدارسها مستوى يعتمد فلسفة الطاقة وجهازها الأثيري –المزعوم- ويدرب على تمارين التنفس والتأمل لتفعيل النفع به. وتكمن خطورة هذه الدورات في كونها بوابة الدخول لدورات الطاقة الكونية ومن بعدها الطاقة السفلية من خلال تعليم الهونا والشامانية وما فيهما من السحر.

– دورات الماكروبيوتيك: وهي دورات تثقيف صحي عن الغذاء والحمية يعتمد خصائص ميتافيزيقية للأطعمة مبناها فكرة الين واليانج، ووجوب التناغم بينهما، ويدعو لتجنب المنتجات الحيوانية قدر الإمكان من اللحوم والألبان، ويتسع المفهوم في الدورات المتقدمة لتقدم نظام حياتي كامل يعتمد على فلسفة التناغم مع الطاقة الكونية من خلال التوازن بين قوتي ” الين واليانج ” والوصول للسمو الروحي –بزعمهم-.

– دورات التاي شي: وتقدم العلم الأشمل لرياضات الطاقة: الريكي والتشي كونغ وغيرها.

أما طريق المعالجة في العيادات ومراكز الطب البديل، وفي البيوت بلا تصريح، فقد دخلت هذه الفلسفات بشكل استشفائي وعلاجي يعتمد على فلسفة قوى “الين واليانج”، وعلى جهاز الطاقة ومساراته والشكرات وخصائصها إذ لكل “شكرة” لون خاص، وحجر كريم ورمز وترنيمة “مانترا” ورائحة وزهرة خاصة بها، ومن أنواع هذه العلاجات:

– العلاج (الاستشفاء) بالماكروبيوتيك – العلاج بالألوان والروائح – العلاج بالأحجار الكريمة – والعلاج بالأشكال الهندسية – والإبر الصينية – والعلاج بالطاقة – العلاج بالريكي – وغيرها كثير.

وللأسف هناك من مزج بين طريقة هذه العلاجات المبنية على جهاز الطاقة وبين علاجات مشروعة كالحجامة فزعم أنها تكون نافعة إذا تمت على مسارات الطاقة الواقعة على الجسم الأثيري!! 

واستهوى الأمر السذج من المسلمين فاستحدثوا ضروباً من الاستشفاء والعلاج بناء على ذات هذه الفلسفة الملحدة “فلسفة الطاقة الكونية بمفهوم الصينيون والهنود القدامى”، ولكن باستعمال القرآن أو الدعاء والذكر؛ ظناً منهم أنها توافق الدين وتنصره وهي في الحقيقة تخالفه وتنقضه.

وربما تغيرت الأسماء والشعارات من يوم ليوم إلا أنها بكل الصور المتغيرة تعتمد على فلسفات وتعاليم الديانات الصينية والهندية في القول بالجسم الأثيري ومنافذ الطاقة “الشاكرات” وما يتبعه من أسرار الطاقة الكونية، وفكرة الـ “ki-chi-Qi” و”الطاو” و”الماكرو”و”البرانا” و”مانا”، وضرورة توازن القوى الثنائية “الين واليانج” للسمو والنرفانا. وأن طريق ذلك الاسترخاء والتنفس العميق والتأمل سواء فيما هو وافد من هناك من عبارات وأشكال ورموز وترانيم شركية، أو باستبدال ذلك بتسبيحات وقرآن وذكر ورسوم وخطوط للأسماء الحسنى حتى يتم تدفق الطاقة الكونية في الجسم البشري ومن ثم يحصل الإنسان على السعادة والصحة والنضارة والسمو الروحي -بزعمهم -.

وأعجب!! كيف يطبق المسلمون الذين لا يؤمنون بوجود الطاقة الكونية تطبيقات تعتمد على هذه الفلسفة الملحدة التي تتصادم مع عقيدة التوحيد للإله الحق سبحانه وتعالى! 

إنتبه…!

  • دورات الماكروبيوتيك.. دورات الريكي.. دورات “التشي كونغ”.. دورات الطاقة.. تبث ثقافة الأديان الشرقية وتعتمد فلسفة الطاقة الملحدة..  فحذار…
  • كل محاولة لأسلمة الشرك والإلحاد باطلة، فالشرك والإلحاد يرفض جملة وتفصيلاً، وماقد يظهر في التطبيقات المبنية عليه من نفع، فإن عندنا في الدين الحق ماهو أنفع منه.
  • الاستشفاء بالألوان والأحجار والأهرام والأشكال الهندسية والطاقة الكونية كله شرك يرق ويغلظ.
  • الاستشفاء بطاقة مزعومة للأسماء الحسنى، بأشعة من ”لا إله إلا الله” وبالقرآن الكريم وبالعبادات المشروعة على غير الوجه المشروع بدعة في الدين.

 

وفي الحلقة القادمة سنجيب على سؤال:

ما المقصود “بالسمو” و”النرفانا”، التي يعد مروّجو هذه الفلسفات المتدربين بالحصول عليها والوصول إليها؟

ــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــ

كتبته: د. فوز كردي.

سلسلة مقالة: “وأسأله عن الشر مخافة أن يدركني” (٤) من (٥)

 

الأرشيف

“وأسأله عن الشر مخافة أن يدركني” (٣)
“وأسأله عن الشر مخافة أن يدركني” (٥)
القائمة